«الجزيرة» د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 9518.9 نقطة، محققاً مستوى جديداً من الصعود ومنتقلاً إلى منطقة جديدة إلى ما فوق 9500 نقطة. وقد أصبحت السمة الغالبة لحركة المؤشر هي سرعة الصعود كما لو كان له هدف يسعى لتحقيقه في أقل من الوقت المحدد له. لم يتوقف المؤشر كعادته سواء لجني أرباح أو حتى لمسار أفقي.. بل استمر في مساره ليشكل مساراً أشبه بالمسار الرأسي.. ورغم أن هذا المسار هو مسار صاعد، إلا أن حركته في الأسبوع الأخير بدأت تكون مؤشرات مقلقة نسبياً، وبخاصة في ظل أن حدوث الصعود حتى الآن كان بفعل عدد قليل من الأسهم القيادية التي حلقت فوق الأسعار المستهدفة لها وفي إطار عدم تفاعل العديد من الأسهم الصغيرة والمتوسطة.. إلى أين ستسير هذه القياديات؟ هل تسير فوق أسعارها العادلة المحددة لها من قبل؟ ألم تحدد لنا تقارير مالية مؤخراً المستويات العادلة لهذه الأسهم؟ وإذا صعدت هذه القياديات من جديد، فإن شكوكاً كبيرة ستحيط بهذه التقارير ومصدريها.. وإن لم تصعد، فلا أحد يدري ماذا يمكن أن يطرأ على المؤشر، وبخاصة أن مساره الصاعد اعتمد بشكل كلي على تصعيد هذه القياديات؟ إن السوق يمر الآن بمرحلة عدم الرغبة في الحديث ... الجميع صامتون.. لا يرغبون في أن يحدثهم أحد بما سيحدث.
بداية ضعيفة ثم انطلاق لمستوى جديد
رغم البداية الضعيفة للمؤشر خلال هذا الأسبوع، حيث إنه أحرز خسائر طفيفة يوم السبت الماضي بنسبة 0.57%، ثم خسارة يوم الأحد بنسبة 0.84%، إلا أنه استعاد انتعاشه من جديد يوم الاثنين ليعوّض كل خسائر اليومين، حيث ربح 1.38%، وبدأ يستكمل مساره الصاعد ليربح يوم الثلاثاء 1.71%، ثم يوم الأربعاء ليربح 1.06%. أي أن المؤشر تمكن من تعويض خسائر بداية الأسبوع، وتحقيق ربح صاف بلغ 254 نقطة أو ما يعادل نسبة 2.74%.
المؤشر يربح 22.4% في 29 جلسة تداول:
بإغلاق يوم الأربعاء الماضي يكون المؤشر قد أتم مساره الصاعد في 29 جلسة تداول، وتكون ربحيته قد وصلت إلى 1722.17 نقطة أي أنه حقق نسبة صعود بنحو 22.4%. إنه معدل جيد، بل إن معدله أصبح فوق الجيد، حيث إنه حقق كافة الأهداف التي وضعها المتداولين في زمن أقل من الزمن المخطط. الأمر الذي يثير التساؤل: ماذا بعد ذلك؟ إلى أين سيسير؟ وهل في مقدوره اختراق الحاجز الصعب عند 10000 نقطة؟
المسار الصاعد بدون سابك
نعم سابك هي التي ابتدأت المسار الصاعد، وهي التي لها أكبر مشاركة حقيقية فاعلة في نسبته على مدى الشهرين الماضيين، ونعم إنها حققت مستوى غير متوقع، فوق كافة التوقعات الرسمية المعلنة وغير المعلنة، حيث فاقت مستوى السعر العادل الذي كان يعتقد أنه بعيد، هي الآن عند 166 ريالاً.. إلا أن الحقيقة أن ليست سابك وحدها من تقود الصعود الآن، بل إن القطاع الصناعي ككل أصبح يقوده بشكل واضح الآن.. فهذا الأسبوع حققت سابك خسارة بنسبة 1.19%، ورغم ذلك استمر المسار الصاعد. لقد حقق القطاع الصناعي ككل ربحاً بنسبة 24% خلال الثلاثة الشهور الأخيرة، وهي نسبة مرتفعة ولم يكن في حسبان أحد أن هذا القطاع الثقيل قادر على تحقيقها خلال فترة زمنية قصيرة، بل لوحظ أن تسعة أسهم صناعية جاءت من بين أعلى عشرة أسهم من حيث مستوى الربحية في السوق كما يوضح الجدول (1).
إن الأمر المستغرب أن أربعة من هذه الأسهم الصناعية حققت ربحية تجاوزت الـ 60%، وهي نسبة صعود مرتفعة جداً، كما لو كنا قد عدنا إلى زمن حقبة الصعود القوي في بداية 2006 ... وهنا نتساءل... كيف يمكن تفسير هذه النسب المرتفعة؟ إذا كانت الأسهم الجديدة، مثل كيان والمتقدمة وينساب وسبكيم، تمثّل أسهماً تستحق هذا الصعود لأن تاريخها ليس به خسائر، ولا تحيط بها مكررات سلبية ولا مرتفعة، ومن ثم فإنها لم تأخذ نصيبها من الصعود لأنها أدرجت في فترة حرجة، وأصابها ما أصاب السوق.. لكن ماذا عن الأسهم القديمة التي بدأت تستعيد ذكريات الماضي في التحليق بعيداً عن المستويات المنطقية؟ فاللجين حققت أعلى نسبة صعود في كل السوق تقريباً خلال 3 شهور بنسبة 65.4% رغم أن مكرر ربحيتها سالب، كذلك الحال للصحراء.
المستثمرون يتفوقون
على المضاربين التقليديين
لم يكن يتوقّع أحد أن يربح المستثمرون بالسوق بشكل يفوق المضاربين فيه بهذا الشكل الحادث حالياً.. إن المضاربين الآن يغردون خارج السرب... غير قادرين على الدخول في الأسهم الاستثمارية التي نالت من الصعود الكثير ويصعب توقع تجاوز هذه المستويات بنسب كبيرة، حيث يصعب أن تقنع الآن أي مضارب بالدخول في سابك بعد مستوى 166 ريالاً.. هم تأخروا ولم يتوقعوا منذ البداية أن يحدث هذا السيناريو الغريب في السوق.. أكثر من ذلك، فإنه من المعتاد في السوق أنه عندما يصعد المؤشر تصعد حزمة معروفة من أسهم المضاربة الشعبية التي يركز عليها المضاربون، بحيث تصعد هذه الأسهم بنسب تفوق نسب صعود المؤشر ذاته... إلا أن ذلك لم يحدث أيضاً، حيث إنه خلال الثلاثة الشهور الأخيرة ورغم أن المؤشر ربح 17% تقريباً، ورغم أن الصناعة ربحت 24% والبنوك ربحت 20%، إلا أن قطاعات المضاربين لم تربح كما هو معتاد، بل إن القطاع الزراعي لم يتغير تقريباً سوى بـ 0.7%، في حين أن قطاع التأمين (قطاع المضاربات المضطربة) خسر حوالي 5.67%، أما قطاع الخدمات فلم يربح سوى 5.5%. أي أن قطاعات المضاربين خرجت من هذا المسار الصاعد ما بين ربحية طفيفة جداً وخسارة... أي أن الرابحين في هذا المسار الصاعد هم من فئات غير المضاربين وبالتالي ليسوا من المساهمين العاديين... لأن المساهم أو المستثمر الذي أقبل على الدخول في سابك والراجحي والاتصالات في بداية مسارها الصاعد لا يعتبر مستثمراً عادياً...
عجلة الصعود المتسارعة إلى أين تتجه؟
إن الصعود يسير كل أسبوع بسرعة تفوق الأسبوع الذي قبله.. وكنا نتوقع أن يثبت هذا المسار أو يدخل في مسار هادي أفقياً لكي يطمئن المتداولين على أنه قادر على الثبات فوق نطاق 9000 نقطة، إلا أنه اخترقها إلى منطقة جديدة فوق 9500 .. ورغم ارتفاع مستوى السيولة اليومية المتداولة يوم الأربعاء الماضي إلى 11.7 مليار ريال، وهو مستوى يعتبر مرتفعاً مقارنة بالشهور الثلاثة الأخيرة، إلا أن هذا القفز يعتبر غير مريح لطمأنه المتداولين بأن المؤشر قادر على التماسك فوق هذه المستويات التي يصعدها بهذه السرعة.. والآن وقد وصلت سابك والراجحي والاتصالات وسامبا وبعض الصناعيات إلى مستويات فوق المستهدفة لها.. كيف سيسير المؤشر؟ وما هي دعومه الجديدة في الصعود التالي؟ هل سيخترق 10 آلاف نقطة بقوة دفعه الحالية المشتتة بين الأسهم الستة الكبرى الرئيسية؟ إن أفضل سيناريو للصعود خلال الأسبوع المقبل وما بعده، يتمثّل في أن يسير المؤشر في مسار أفقي عند المستويات الحالية لأسعار الأسهم القيادية، حتى يكتسب قوة وتماسكاً عند مستواه الحالي، وبشكل يعطي الفرصة للأسهم الصغيرة والمتوسطة (التي لم تتفاعل مع الصعود حتى الآن) في أن تتحرك لأعلى بشكل يحقق معادلة الزخم الكلي للمؤشر بشكل يمكنه من الصعود ككتلة واحدة لاختراق مستوى 10 آلاف نقطة. أما حركته الآن بقوة دفع هذه المؤشرات القليلة والتي صعدت لمستويات كبيرة ومبالغ فيها لبعضها، إنما يضعه في مهب الريح بحيث يكون مؤهلاً للسقوط من جراء أي حركات غير متوقعة مستقبلاً.
المحفزات الحالية كبيرة واستثنائية
إن الاقتصاد الوطني والمستجدات الاقتصادية على الساحة المحلية والعالمية جميعها تسير في مسار تعزيز الاستقرار الاقتصادي للمملكة، فمن ملامسة سعر النفط من جديد لمستوى 100 دولار، إلى توقع فائض كبير في الميزانية الحكومية إلى تحسن في أداء الشركات المدرجة في السوق، وغيرها... إلا أن شيئاً من ذلك يمكن القول بأنه يقود السوق.. حتى السيولة المتداولة ورغم وصولها إلى 11.7 مليار ريال.. إلا أن كل ذلك لا يفسر الصعود السريع والقوي والذي مكن المؤشر من الإغلاق على 9519 نقطة... إن السيولة الحالية من تجارب بالماضي أقل من أن تعطي المؤشر الزخم القوي لاختراق نقاط مقاومته الصعبة التي بدأت تتهاوى بهذه السهولة... إنه ليس من الجميل أن يصعد المؤشر، ولكن الجميل حقا أن يستقر عند مستوى صعوده.. فليصعد المؤشر ولكن لا يأتي بعد غد من يطالب بهيوطه لأنه مطلوب تصحيحه... اليوم لا يتحدث أحد عن مكررات الربحية ولا يتحدث أحد عن الأوضاع السلبية لبعض الشركات، ولا نرى من يقول إن سابك صعدت فوق سعرها العادل، أو أن الاتصالات الشراء فيها الآن غير جذاب.
ولكننا رأينا ذلك عندما كانت أسعارهما منخفضة، إن هذه المسئولية تقع على عاتق هيئة السوق المالية التي عايشت تجربة فبراير العام الماضي، والتي أحرزت نجاحاً كبيراً في إصلاح السوق ، يعيش السوق الآن إيجابياته.. إن السوق يفترض الآن أنه يسير في مسار لن يوصله إلى مستوى يتطلب أي تصحيح في المستقبل... إذا كانت هذه الثقة موجودة لدى الجهة المراقبة.. فلنقول ليخترق المؤشر مستوى العشرة آلاف، ومرحباً بمستوى 11000 نقطة.
محلّل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com