إن المتتبع لما يكتب في الصحف والمجلات المحلية لا بد أن يلاحظ أن هناك بعض الكتاب يكتبون سواء في كتاباتهم اليومية أو الأسبوعية في مواضيع شتى قد تكون متقاربة أو متباعدة في مضامينها، وهذا الأمر قد يحسب لهم لا عليهم بل قد يعد ميزة لهم، ودليل على تنوع ما يملكونه من ثقافات متنوعة وعلى فرديتهم الخاصة بهم. وهذا الأسلوب من الكتابة معروف منذ زمن بعيد فقد ورد في موسوعة الفلسفة لعبدالرحمن بدوي عن الأباني دون ميجيل دي أونامونو المولود في سنة 1864م، والمتوفى في سنة 1936م: أونامونو شخصية فذة في كل شيء: في فكرها ووجدانها، وسلوكها في الحياة، ففي فكره لأنه لا يمكن أن يندرج تحت مذهب من المذاهب الفلسفية أو الفكرية عامة، بل كان أبغض شيء لديه أن يضعه الناس تحت صفة أو اسم من الصفات والأسماء التي يبادر الناس إلى إلصاقها برجال الفكر والعلم والفن، ثم يخيل إليهم بعد هذا أنهم استراحوا من تحديدها والوقوف من بعد عندها - حتى قال عن نفسه:
(لا أريد أن يضعني الناس في خانة، لأني أنا ميجيل دي أونامونو، نوع فريد شأني شأن أي إنسان آخر يريغ إلى الشعور الكامل بذاته). بل لا يندرج أونامونو- كما يقول بدوي - تحت أي وصف عام من أوصاف أهل الكتابة: فلا هو فيلسوف، لأن أفكاره لا ترقى إلى درجة تكوين مذهب فلسفي بالمعني الدقيق لهذا اللفظ، ولا هو قصصي، لأن قصصه تتجاوز القواعد التقليدية المرسومة للقصة، ولا هو كاتب مسرحي لأن الجمهور أجمع حينما شاهد مسرحياته تمثل على أنها ليست من المسرح في شيء، ولا هو شاعر، لأن شعره حافل بالأفكار أكثر منه بالغناء والموسيقى، ولا هو سياسي لأن اتجاهاته في السياسة كانت من التذبذب والاضطراب بحيث لم يعرف أصحابه ولا أعداؤه ما هو مذهبه السياسي، وبالجملة لم يكن واحداً من هؤلاء، لأنه كان كل هؤلاء مجتمعين في شخص واحد، نسيج وحده في كل مناحي حياته المادية والروحية.
نقول بعد كل هذا: هل يحق لنا أن ننعت أي كاتب أو مؤلف بنعوت معينة بناء على تنوع ما يكتبه أو أن نطلق عليه لقب نحدد نحن به ماهيته؟
الرياض: 11642 ص.ب: 87416