شاركت المرأة الأندلسية الرجل في الظرف وخفة الروح والحس الفكاهي البارز، وقد أشار كتاب التراجم ومؤرخو الأدب الأندلسي إلى هذه السمات الشخصية في سياق حديثهم عن شاعرات الأندلس اللواتي فاق عددهن عدد شاعرات المشرق، هذه السمات تعود من دون شك إلى أن المرأة الأندلسية كانت أكثر تحرراً من مثيلتها المشرقية، كما يظهر في سلوكها وإنتاجها الشعري؛ فقد خاضت في أغراض كانت حكراً على الرجال كالمجون والهجاء الفاحش، وتميزت عن الشاعرات المشرقيات بالقول في الغزل بالمؤنث، كما نجد لدى حمدونة بنت زياد المؤدب، كما أن منهن من اتهمن بالجنسية المثلية، كولادة بنت المستكفي، ومهجة بنت التياني. ومن مظاهر تحررهن أيضاً مبادرتهن الرجال بالغزل؛ فقد أبحن لأنفسهن التغزل بالرجال كما يتغزل هؤلاء النساء سواء بسواء. |
وتعتبر مشاركة المرأة الأندلسية في الهزل ثمرة لتحررها، ومخالطتها الرجال؛ مما مكنها أحياناً من السخرية منهم، والتندر بهم وإخجالهم، بسرعة بديهتها وحضور جوابها، من ذلك ما حكاه ابن بسام عن ولادة في قوله: (وأما ذكاء خاطرها، وحرارة نوادرها، فآية من آيات فاطرها: مرت بالوزير أبي عامر بن عبدوس، وأمام داره بركة دائمة تتولد عن كثرة الأمطار، وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار، وقد نشر أبو عامر كمّيه، ونظر في عطفيه، وحشر أعوانه إليه، فقالت له: أبا عامر: |
أنت الخطيب وهذه مصر |
فتدفقا فكلاكما بحر |
فتركته لا يحير حرفاً، ولا يردّ طرفاً. |
وقد استطاعت ولادة بلذوعيتها إدراك المفارقة بين أبهة ابن عبدوس والبركة الآسنة أمام منزله، والتعبير عن تلك المفارقة باستحضار بيت أبي نواس ونقله من سياق المدح إلى سياق السخرية والاستهزاء. وشبيه بهذا ما حُكي عن نزهون بنت القلاعي فقد كانت شاعرة ماجنة كثيرة النوادر، وهي التي قالت لأبي بكر بن قزمان الزجال، وقد رأته بغفارة صفراء، وكان قبيح المنظر: أصبحت كبقرة بني إسرائيل، ولكن لا تسرّ الناظرين. وإلى جانب التعليق الساخر يأخذ هزل النساء شكلاً آخر هو الرد بالمثل، والجواب على الدعابة بدعابة مماثلة، وهذا ما حكاه المقري في (النفح) عن زوجة قاض عرفت بالنباهة والظرف، يقول: وحُكي أن بعض قضاة مدينة لوشه كانت له زوجة فاقت العلماء في معرفة الأحكام والنوازل، وكان قبل أن يتزوجها ذُكر له وصفها فتزوجها، وكان في مجلس قضائه تنزل به النوازل، فيقوم إليها فتشير عليه بما يحكم به؛ فكتب إليه بعض أصحابه مداعباً بقوله: |
بلوشة قاض له زوجة |
وأحكامها في الورى ماضيهْ |
فيا ليته لم يكن قاضيا |
ويا ليتها كانت القاضيهْ |
فأطلع زوجته عليه حين قرأه، فقالت: ناولني القلم، فناولها، فكتبت بديهة: |
هو شيخُ سوء مُزْدَرًى |
لهُ شيوبٌ عاصيهْ |
وكما ألح كتاب التراجم في الأدب الأندلسي أثناء استعراضهم للصفات الذاتية للذين ترجموا لهم على ما اتسم به هؤلاء من ظرف، وحرارة نادرة، وخفة روح، نجدهم يفعلون الشيء نفسه في تراجمهم للنساء الشاعرات، فقد ترجم المقري في (النفح) لخمس عشرة شاعرة أندلسية، مشيراً إلى ما تميز به بعضهن من ظرف، كالرميكية زوجة المعتمد بن عباد، التي (كان المعتمد كثيراً ما يأنس بها، ويستظرف نوادرها، ولم تكن لها معرفة بالغناء، وإنما كانت مليحة الوجه، حسنة الحديث، حلوة النادر، كثيرة الفكاهة، لها في كل ذلك نوادر محكية)، ومنهن (أم الهناء بنت القاضي أبي محمد عبدالحق بن عطية، وكانت حاضرة النادرة)، ومهجة القرطبية، وكانت من أجلّ نساء زمانها، وكانت من أخف الناس روحاً. ومنهن حفصة بنت الحاج الركوني، وهي (من أهل غرناطة، فريدة الزمان في الحسن والظرف والأدب واللذوعية، قال أبو القاسم: كانت أديبة، نبيلة، جيدة البديهة، سريعة الشعر). |
|