تحقيق - محمد بن سليم اللحام
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة ربانية لها تأصيلها الشرعي والنظامي في مجتمعنا، وإن استمرارية هذه الشعيرة وقيامها بأداء دورها من لوازم تحقيق الخيرية للأمة، فقد قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، وقال جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} وقال سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
والإنسان بفطرته السوية مجبول على حب الخير والدلالة عليه، ومجافاة الشر والتحذير منه، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لهذا وجد من المشركين العرب قبل الإسلام من كان متصفاً بمكارم الأخلاق ومحامدها داعياً إليها، مبتعداً عن أراذلها ومساوئها منفراً عنها.
وينمو جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلما كان المرء معظماً للشرع، محباً لله ورسوله، باحثاً عن مرضاة الله، عاملاً بما أمر الله به ورسوله، تاركاً لما نهيا عنه، قريباً من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال سبحانه: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، ولهذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم القدرة على إنكار المنكر بالإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم عن المرتبة الثالثة - وهي الإنكار بالقلب-: (وذلك أضعف الإيمان)، فدل على أن قوة الإيمان مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن حاجة هذه الشعيرة للنماء والاستمرار منوط بعوامل عديدة من أهمها تنمية الوازع الداخلي لدى أفراد المجتمع وحول هذا الجانب المهم كان لنا هذا التحقيق.
مطالب الشريعة
في البداية أوضح المدير المناوب بفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الحدود الشمالية الشيخ علي بن ذويب العنزي أن تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرتكز على الاستمساك بكل عمل صالح والأمر به، والتنزه عن كل عمل سيئ ومحاربته وهذا مطلب من مطالب الشريعة كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) فإذا نشأت عندنا هذه الوصية النبوية حصل لنا الوازع الداخلي، فتجد أن الواحد من الناس إن وقع في أمر مخالف للشرع يتحسر قلبه حتى يزيل عنه المخالفة الشرعية وكذلك إن فاته أمر من الأمور الشرعية فإنه يتلظى بلظى حرمانه حتى يعود إلى الأمر ويمتثله.
عمارة الأرض
من جانبه بين الشيخ سامي بن أحمد الخياط مدير القضايا بفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة أن من الجوانب التي تعين تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زيادة الإيمان والتي تتكون من خلال حضور الذهن بالهدف من وجود الإنسان في الدنيا، وما ينبغي أن يكون عليه فيها، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وعليه فيكون ملاحظاً في كدّه وضربه في الأرض وعمارتها أنها دار عبور لا قرار، وأن ما يصنعه فيها ويبنيه يسخر لصالح الإسلام والمسلمين ونفعهم، وليس معنى هذا ما قد يتخيله البعض انقطاع الناس للعبادة فحسب، وترك كل المتعلقات بالدنيا، كلا، بل دلت نصوص الشريعة، على الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية الجالبة للعزة والقوة والسعادة للمسلمين في عمارة الأرض، مما لا يخالف الشريعة، ويتسبب في خراب الدين، فعمارة الأرض تكون لمرضاة الله جل وعلا وفي سبيله.
وأضاف الخياط أن تعظيم الشريعة، ومحبة الله ورسوله، تدفع المرء لحب الخير والمعروف، والبحث عنه، والعمل به، والدعوة إليه، والبعد عن الشر والمنكر، والحذر منه، والتنفير عنه، ويحتاج الناس إلى إيقاظ الحس الإيماني، وتنبيه مشاعرهم الإيمانية الكامنة، بالذكرى والموعظة الحسنة، لتعمل بالمعروف، وتجافي المنكر، بل ولتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والحقيقة أن من أسباب (تبلد الحس والغفلة) عن هذا الأمر العظيم، ضعف الإيمان، ومن أسبابه (الإلف المخالف) بمعنى تصور مفاهيم خاطئة في الاعتقاد، والعبادات، والمعاملات، والعلاقات الإنسانية، ومن ذلك: اعتياد رؤية المخالفات أو معايشتها، إما لكثرتها وتنوعها، أو استمرارها وازديادها، أو بهما معاً، مع ضعف وسائل معالجتها ومن أمثلة ذلك: ما يحدث من الأعمال الشركية والبدعية كشد الرحل للقبور، والطواف بها، والذبح عندها، والاستغاثة بالأموات والصالحين، وكذلك إحداث أحياء بعض الليالي والأيام والاحتفال بها، كالمولد النبوي، والإسراء والمعراج وغير ذلك، ومنه محاكاة غير المسلمين في أخلاقهم وأعيادهم، وعوائدهم المخالفة لنا. وهذا يعالج بنشر العلم، وبيان المفاهيم الشرعية الصحيحة، وإظهار حقيقة دين الإسلام، وأحكام الشريعة ومقاصدها ومراد الله ورسوله، ومنه: الأخذ بأسباب زيادة الإيمان، ومن أعظم ما يزيد الإيمان قراءة القرآن، وتدبّر معانيه، وفهمه، والعمل به، وهكذا يتولّد الشعور الإيماني لدى الأفراد، وينتشر الخير بين المسلمين.
المحفزات الشرعية
بعد ذلك تناول الشيخ سامي الخياط المحفزات الشرعية للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجملها بالنقاط التالية:
- أن هذا العمل طاعة، مر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- أن الله جل وعلا رتب على القيام به ثواباً جزيلاً، وأجراً عظيماً.
- أن فلاح الأمة وخيريها وسعادتها، مرهون بالقيام بها.
- أن القائمين به حرَّاس للدين وحماة للشريعة، وسائرون على خطى الأنبياء والرسل، ومصلحي الأمة.
- أن القيام به محافظة على بيضة الإسلام، وجماعة المسلمين.
- أن القيام به محافظة على هوية الأمة، وإنقاذ لأفرادها من الانحرافات الفكرية والخلقية.
- أن ترك هذه الشعيرة، من أسباب ضعف المسلمين، وحلول سخط الله، ونزول عقابه.
الدور المجتمعي
أما فضيلة الشيخ خالد بن عبدالله الحقباني رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدلم فشدد على أهمية تفعيل المجتمع للقيام بمسؤولياته في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الأطر الشرعية والنظامية وقال: لا شك أننا نوقن أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن يقوم أعضاؤها بإنكار جميع المنكرات التي يعلمون عنها فكيف بالمنكرات التي يجهلونها، ولذا من الأهمية بمكان أن يستشعر أفراد المجتمع واجبهم تجاه القيام بهذه الفريضة العظيمة.
وأضاف: وعلى سبيل المثال نحن نرى الدفاع المدني، لا يقتصر دوره على إطفاء الحرائق بل نرى أن هناك حملات ودورات موجهة للمواطنين كي يكونوا مساهمين في الحد من الحرائق وتخفيف آثارها ومكافحتها. وكذلك الأمر بالنسبة للهلال الأحمر، لا يقتصر دوره على تدريب وتعليم أفراده بل يتعدى ذلك إلى تدريب وتعليم وتثقيف كثير من شرائح المجتمع.
واستطرد قائلاً: وكذلك نحن في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علينا دور كبير في تعزيز مساهمة المجتمع في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً وأننا أمام انفتاح على ثقافات مختلفة، والكثير من مبادئ ونظم تلك الثقافات مخالف لديننا الحنيف، فيجب أن نسعى جاهدين أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مغروساً في نفوس أفراد مجتمعنا، ولن يتأتى ذلك لنا إلا بمعرفة الأساليب التي يمكن أن نصل لها بدراسة علمية وافية وكافية وشاملة، ووقتها بإذن الله سنصل إلى ما نريد عبر دور تكاملي مع وزارة التربية والتعليم التي تشاركنا في الوصول لهدفنا بغرس حب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوس الطلاب والطالبات، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون له مكانة وحيز في المناهج. كما أننا - بإذن الله - سيكون لنا دور تكاملي مع وسائل الإعلام المختلفة ليس فقط للقيام بالتعريف بالهيئة بل بتعريف الناس وتعليمهم بدورهم الاحتسابي المنوط بهم.
التفاعل مع الهم
أما الشيخ أحمد بن محمد السحيباني رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخبر، فأضاف على موضوع تحقيقنا: إن من وسائل تنمية الوازع الداخلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشر هذه الشعيرة بين أفراد المجتمع والتفاعل معها بشتى طبقاته فكل على حسبه فالعالم لا بد أن يذكر بعظم الأمانة التي يحملها والمسؤول بحكم ما ولاه الله من مسؤولية وسلطان والتاجر بما أعطاه من مال وجاه وعامة الناس حيث الأمة تنتصر بضعفائها. وأن يدرك المجتمع خطر التخلي عن هذا الأمر العظيم ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكون ذلك بطرق شتى:
- زيارة العلماء والمسؤولين وتذكيرهم بهذا الجانب.
- نشر هذه الشعيرة وتوضيح أهميتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة من مقروء ومسموع ومرئي.
- دور خطباء وأئمة المساجد في بيان أهمية هذه المهمة العظيمة.
- الوصول للمدارس والجامعات ودور التعليم عن طريق المحاضرات والمسابقات ووسائل الإعلام المختلفة.
* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر