Al Jazirah NewsPaper Friday  04/04/2008 G Issue 12972
الجمعة 27 ربيع الأول 1429   العدد  12972
الأسرة ومسؤولية تحقيق الأمن الاجتماعي
معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد *

تسير المجتمعات في إدارة شؤونها على عدد من القيم والمبادئ التي تترسخ مع مرور الزمن لتصبح نهجاً تلتزم به، ولا شك أن التمسك بما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ هو الطريق الأحكم والأسلم والأقوم الذي يحقق السعادة والطمأنينة للمجتمعات.

ومجتمعنا - بفضل الله - في هذا البلد الكريم مجتمع مسلم تربى على قيم الإسلام ومبادئه، وقيادته تضع نصب عينيها تطبيق أحكامه وتعاليمه في كل شؤونها، وتسخر كل جهودها وطاقاتها في سبيل تحقيق أمن المجتمع وسلامته في دينه وفكره وأسرته وفي شأنه كله.

وإن صلاح أي مجتمع يبدأ من الأسرة، فالأسرة هي المحضن الأول الذي ينشأ فيه الطفل، والمحطة الأولى التي يتلقى فيها أسس التربية، والمؤسسة الاجتماعية التي تعنى بالتماسك الاجتماعي، فبصلاحها تصلح المجتمعات ويسود الاستقرار، ويتحقق الأمن والرخاء، وتضمحل المشكلات.

ولعل من نافلة القول إن الصلاح المطلوب الذي تنشده كل أسرة يتطلب جهداً كبيراً تجاه ضبط أخلاق أفرادها وسلوكهم، فالأسرة هي التي تكسب الفرد قيمه ومبادئه فيعرف الحق والباطل، والخير والشر مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

وعليه فإن تقدم المجتمعات وتطورها واستقرارها هو انعكاس لأسر صالحة جادة تعي مسؤوليتها تجاه تربية أبنائها وتعليمهم وإرشادهم وفق القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة.

ومن هنا فإنَّ الأمن الاجتماعي يعد مطلباً ملحاً ورافداً من روافد الأمن بمفهومه الشامل لا يمكن تجاهله، فهو الباعث على شعور الفرد والمجتمع بالطمأنينة والحماية، وتأسيساً على ذلك فإن الأسرة إذا باشرت تربية أبنائها تربية صالحة تحقق بذلك الأمن الاجتماعي لها وللمجتمع ككل.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن من أهم الأمور التي يجب على الأسرة الاهتمام بها كجزء من مسؤوليتها في تحقيق الأمن الاجتماعي تربية الأبناء منذ الصغر على طاعة الله - تعالى - وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة ولي الأمر؛ كما جاء بذلك التوجيه الرباني في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، فبطاعة الله سبحانه وطاعة رسوله تتحقق السعادة والطمأنينة ويعيش المجتمع في أمن ورخاء واستقرار، كما أن في طاعة ولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين تكريساً لمفهوم الأمن الاجتماعي، وتحقيقاً للطمأنينة الشاملة.

وللوصول إلى تربية فاعلة وذات أثر في تحقيق الأمن الاجتماعي يجب على الأسرة التعرف على خصائص كل مرحلة عمرية يمر بها أفرادها ومتطلبات كل مرحلة وسلوك مسلك الاعتدال في التربية دون إفراط أو تفريط؛ إذ بهذا النهج اكتسبت الأمة خيريتها وشهادتها على الناس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}.

كما أن من الأساليب التربوية الناجحة فتح الحوار مع البنين والبنات ومناقشتهم على النحو الذي يفتح الباب واسعاً لمعرفة قضاياهم ومشكلاتهم وإيجاد الحلول المناسبة لها بأسلوب مؤدب محترم، وألفاظ متخيرة، وجدال بالتي هي أحسن، وتصحيح ما قد يشوب أفكارهم من مفاهيم خاطئة، وإشراكهم في الأنشطة التي تنمي قدراتهم ومواهبهم وتعينهم على صلاح دينهم ودنياهم.

وثمة جانب مهم ينبغي التنبه له عند الحديث عن مسؤولية الأسرة في تحقيق الأمن الاجتماعي ألا وهو ترسيخ مبدأ التعاون باعتبار الأسرة جزءاً من المجتمع فيربى الأفراد على أنهم رجال أمن يهمهم أمر مجتمعهم؛ إذ من شأن ذلك أن يبعث في النفس روح المبادرة للتعاون مع رجال الأمن واحترامهم وتقديرهم بوصفهم مواطنين شرفاء يؤدون واجباً عظيماً وجهداً كبيراً في السهر على راحة المواطنين وأمنهم.

وفي هذا السياق أيضاً لا بد من بث روح المراقبة والخوف من الله في نفوس الناشئة فإن الرقابة الذاتية من أنجح الوسائل في تحقيق الصلاح والسعادة للأفراد والمجتمعات.

وجدير بالذكر أن مسؤولية الأسرة لا تنتهي ببلوغ أفرادها سناً معينة حيث تبقى حاجتهم للنصح والإرشاد التوجيه والمراقبة والمتابعة لا سيما في سنوات الشباب الأولى حيث لا يزال العود غضاً طرياً والتجربة لم تصل بعد حد النضج.

وختاماً فإن دور الأسرة يظل كبيراً وضرورياً وبخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الملهيات والمؤثرات والصوارف والشواغل، وتعددت فيه وسائل الاتصال والإطلاع، الأمر الذي اختلطت معه الثقافات، وذابت بسببه الكثير من القيم والمبادئ.

* رئيس مجلس الشورى إمام
وخطيب المسجد الحرام عضو هيئة كبار العلماء



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد