عبدالعزيز الحسن السلمان الذي يتصف بالكرم ودماثة الخلق كان ممن يعدون على الأصابع من ذوي الصفات الحميدة والشهامة الفريدة وهو معروف بذلك لدى أهل منطقة سدير فضلاً عن أهل بلدته روضة سدير. |
ومن ناحية عدم الاستغراب بألا يكون شاعراً فهذا يقوم على أمور أهمها أنه يعرف أنه كان متذوقاً من الدرجة الأولى لجيّد الشعر، بل هو يحفظ كثيراً من شوارد الأبيات وشواهدها، أضف إلى تلك الأمور أن خاله كان شاعراً فحلاً وهو الذي يعرف في الكويت بالشاعر النجدي يوم كان الصيهد بالكويت في منتصف القرن الماضي وما قبله سوقاً عامراً بالشعراء العاميين الوافدين للكويت من أهل الجزيرة العربية، وإلى جانب تعريفه بالشاعر النجدي فهو يعرف بتصغير اسمه (وهيب) وهو تصغير تمليحي وإلا فاسمه عبدالوهاب بن زيد الفياض - من الوهبة من قبيلة تميم، وقد كتبت بعضاً من قصائده في الجزء الأول من كتابي سلسلة (الشعر النبطي في وادي الفقي) ومن بديع قول وهيب في الحكمة: |
من لا يجازي كل ثنتين بأربع |
يجوز منهن لا يدور قهاوي |
|
يعيب الناس من لاشاف عيبه |
عليه الشق ما يرفاه رافي |
وبحكم ما يربطني بالشاعر الفاضل عبدالعزيز الحسن السلمان من رابطة قرابة زرته قبل أيام فوجدت إلى جانبه اظبارة لفت نظري وجودها، فسألته عما تحويه فقال: بعض القصائد، فاستأذنته في الإطلاع عليها، فإذا هي إضمامة لا بأس بها وقد غلفها بغلاف عنوانه: (ديوان الشاعر عبدالعزيز بن حسن السلمان) ولم أستحسن تصفحه أثناء زيارتي له بل طلبته منه فأعطاني إياه كهدية لي، وبتصفحي له وجدت أنه يضم (37) صفحة مبوبة إلى (4) أبواب هي الفخر والمديح - والرثاء - والوصايا والدعاء - ومنوعات. |
أما الصفحة التي تصدرت الديوان فعليها ترجمة للشاعر، المهم فيها أنه كان مولوداً عام 1431هـ في روضة سدير وانتهى به المطاف إلى الإحالة على التقاعد عام 1412هـ وقد كان موضع ثقة من الناس بحيث أنهم كانوا يدفعون إليه بزكوات أموالهم ليوزعها على مستحقيها. |
وبعد ذلك أرى أنه من المهم الدخول في صلب الموضوع وهو تصفح الديوان واقتطاف نماذج مما اشتملت عليه بعض قصائده، وليكن منطلقنا من قصيدته (يا دار جوك أهل الشرف والمعالي) وهي قصيدة امتدح بها الأمير محمد بن عبدالعزيز الماضي وأخاه عبدالعزيز بن عبدالعزيز الماضي ومحمد الحمد الماضي وقد ختمها بهذا البيت التعميمي: |
نعم بهم في كل ما جا مجالي |
يستاهلون المدح بالسر واجهار |
وامتدح أبا نواف وهو فهد محمد الحمد الماضي حينما زفت الطريق المؤدي إلى مزرعته في عرض وادي سدير فانتفع به الناس، من امتداحه له قوله وهو مطلع القصيدة: |
الله يجازي فاعل الخير بالخير |
صلح طريق من مشى به دعا له |
هذاك أبو نواف شوق الغنادير |
ذرب رفيع النفس راعي الشكاله |
وامتدح مساعد الضاوي وعمّ في مديحه أسرة الضاوي وهي أسرة بحق تستحق المديح من ذلك قوله: |
ما نيب في مدحهم داوي |
الطيب ورثوه جديه |
ويختار البقاء في الصيف في بلدته روضة سدير على السفر لأسباب ذكر معظمها في الأبيات الجميلة التالية: |
أنا بدارٍ جوها دايم الريف |
حلوٍ هواها، الصيف فيها برادي |
نجني ثمر هدب الجرايد مناصيف |
لا غابت النسرين والصبح بادي |
أشكال وألوان على منوة الكيف |
من فضل ربي سخره للعبادي |
أخرجه من بين العسابين والليف |
جل جلال اللي إليه المعادي |
في وادي الروضة ولا له تواصيف |
متميزٍ جمه على كل وادي |
سقواً سقى الله حى من يكرم الضيف |
يسقي شعيب سدير وكل البلادي |
سقاه من مزنٍ خشومه مراديف |
تشعل بروقه مظلم بالسواي |
وامتدح أسرة العسيلان وهو مدح في محله كيف لا وقد كان بابهم مفتوحاً للضيوف صباحاً ومساء من ذلك قوله في مديحهم، وهو مطلعها: |
أبيوتهم مد هل الضيفان |
هشين بشين سمحينى |
ومن مرثيته لوالديه رحمهم الله قوله: |
الفضل لله ثم بعده للبوان |
حقوقهم ربي فرضها علينا |
الله يثقل وزنها يوم الأوزان |
لعلهم يوم الحشر فايزينا |
ورثى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالعزيز الماضي بقصيدة منها قوله وهو مطلعها: |
مرحوم ياللي مات في وقت الأسحار |
صديقنا اللي كدرتنا وفاته |
|
خطب جلل ظليت أنا منه محتار |
والموت بالمخلوق هذي سواته |
|
والموت فجاعٍ ولا يعطي إنذار |
وليا دخل بيت يمرر حلاته |
ياما سقى من خيرٍ كأس الأمرار |
ولحدٍ نجا من لوعته واسكراته |
والمراثي أخذت نصيب الأسد من الديوان، فمنها رثاؤه ابن عمه وخال أبنائه عبدالعزيز الأحمد السلمان التي قال في مستهلها: |
مرحوم ياللي بالذكر ما نسيناه |
عبدالعزيز اللي عسى العفو فاله |
نطلب من الله كل ما حل طرياه |
آمين تقبل دعوة اللي دعاله |
الله يعوضه الخلف عقب دنياه |
في جنة الفردوس بعد ارتحاله |
ورثا حسن ابن ابنه عبدالرحمن والحقيقة أن موت الحفيد فجيعة والشاعر كان يولي حفيده حسن محبة كبيرة، فكانت وفاته يوم الأربعاء 23-6-1427هـ وهو مازال صبياً تعجب حركاته وتصرفاته البريئة، فتألم لموته تألماً شديداً أباح بشيء، منه قوله: |
حسن حبيب القلب جته المنايا |
الله يعظم أجرنا والعزى فيه |
شفته بحال صار قلبي شوايا |
شوفٍ يحزن كل عين تراعيه |
إلى ذكرت عجوبته والحكايا |
يهل دمعي كل ما حل طاريه |
ولما رزق ابنه عبدالرحمن بمولود سماه باسمه عبدالعزيز قال في ذلك أبياتاً منها: |
عبدالعزيز وصار حبه يزيد |
يزداد حبه يوم سمي عليه |
بقي أن أقول إن شاعرنا عبدالعزيز السلمان قد أباح بقليل من كثير لديه فعسى أن يمد الله في عمره ويملي على أبنائه ما كان مختزناً في ذاكرته من أقواله، هذا والله الهادي إلى سواء السبيل. |
أحمد عبدالله الدامغ |
|