منذ بداية العام الميلادي الحالي (2008م)، غادرنا خمسة زملاء من الإخوة السودانيين العاملين في صحيفة الجزيرة، واحدٌ من قسم الإنتاج وآخر من التسويق وثالث من قسم التصحيح اللغوي واثنان من التحرير هما الزميلان عبد الباسط الشاطرابي وعبد الرحمن زروق، وثلاثتهم مثل زميليهم عملوا في الجزيرة لأكثر من عقدين من الزمان... وكعادة السودانيين كانا مثالين للخُلق الطيِّب، والتفاني والإخلاص في العمل، وجاء رحيلهما بعد إصرار غريب من كليهما رغم رفض رئيس التحرير لاستقالتيهما، ومطالبته لهما بالبقاء مع رفع الأجر، إلاّ أنّهما أقنعا رئيس التحرير بأنّ الأوضاع في السودان تفرض عليهما سرعة العودة...!!
جلست مع الزميل عبد الرحمن زروق، كونه أحد العاملين في القسم السياسي، وقلت له: ما أعرفه أنّ السودانيين يظلّون يعملون في المملكة حتى يتسلّم الله أمانته!!
فالسوداني يحب أن يبقى حيث هو،
فكيف إذا وجد الفرصة في المملكة حيث الأوضاع الاجتماعية متشابهة، ومكة المكرمة والمدينة المنورة يذهب إليهما وقتما يشاء، والعمل متوفِّر..؟!!
قال لي: فعلاً، كلُّ ما تقوله صحيح، وأنا أذهب وبي حسرة مثل كلِّ السودانيين المغادرين، ولكن هل تعلم أنّ مئات السودانيين - إنْ لم يكونوا بالآلاف - يعودون شهرياً إلى السودان..؟!!
أجبت بدهشة: لماذا؟!
بهدوء نَشَرَ أمامي دراسة علمية عن فرص النمو والاستثمار في السودان، ونبّهني إلى فقرة تقول: (إنّ بإمكان السودان إطعام مليار شخص في العالم) .. العبارة أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، والشهادة الأممية جاءت في وقتها، فالعالم مقبلٌ على نقص كبير في الغذاء .. وإذا كان العالم الآن (عطشان بترول)، فإنّه سيكون (جوعان طعام)، والسودان سيكون أحد (الآبار التي تضخُّ الغذاء) للعالم... ضحكنا جميعاً ... إلاّ أنّني بدأت أقارن وأجمع بين الأحداث والتحرُّكات السياسية والدولية، فحسب ثقافتي وما تربّيت عليه من خلال عملي، فإنّ التحركات السياسية والعلاقات الدولية تؤشِّر وتتنبّأ بما سيكون عليه مقبل الأيام..!! والتحرُّكات التي يشهدها السودان وقيادته تشير إلى ذلك..!
إلى ماذا تشير زيارات الرئيس السوداني عمر البشير إلى الصين الشعبية ومن ثمّ إلى اليابان...؟!
ماذا يعني سيل الزيارات التي يقوم بها الرؤساء والوزراء إلى السودان..؟!!
شيء واحد، الحصول على فرص استثمارية في بلد واعد، فالرؤساء والوزراء والساسة أصبح دورهم الآن مثل (تجار الشنطة) البحث عن فرص لتنمية تجارة بلدانهم، وفتح أسواق جديدة، وتوسيع دائرة الاستثمار، والحصول على مواد خام رخيصة، والحصول على حصّة من (الغذاء) للأيام القادمة.
ولأنّ السودانيين أحقُّ من غيرهم في خير بلادهم، فقد أخذوا يعودون للحصول على حصّة من خير بلدهم الذي يُعَدُّ الآن البلد العربي الوحيد الذي لا يعاني من التضخُّم..!!
jaser@al-jazirah.com.sa