من منكم يذكر إعلان (ويش تاني) أو إعلان (ده الحليب والا بلاش) أو إعلان (تئرمش أرمشه) فقد شاهدناها في القنوات الفضائية، ولوحات الإعلانات في الشوارع منذ سنوات، لتتخيل فور مشاهدتك هذه الإعلانات أنك تسير في ميدان التحرير بالقاهرة، أو في بيروت، أو حتى في دمشق، وتبرز اللغة والطريقة التي استخدمت في تلك الإعلانات افتقاد السوق المحلية إلى الخبراء ومخططي الحملات الإعلانية، مما جعل الكثير من الشركات لدينا تستعين بالمؤسسات الإعلامية التي تتخذ من دبي مقراً لها، حيث تضم كوادر إعلامية غير خليجية لديها القدرة الاحترافية على الإخراج، ومعالجة الأفكار، وكتابة النصوص، واختيار شعار للحملة الإعلانية، إلا أنها كوادر تجهل الخصائص (الديموجرافية) للمجتمع الخليجي، وخصوصاً السعودي، فما تقوم به تلك المؤسسات عبارة عن عملية استنساخ كامل لأفكار غربية بحتة لا تناسب في معظمها المجتمع الخليجي حتى إظهار طريقة اللبس للخليجي في الإعلان واللهجة قد تدفعك إلى الضحك أحياناً.
وقد تنتج تلك المؤسسات إعلانات بعيدة كل البعد عن ما تطمح له الشركة. ومن يشاهد إعلان إحدى شركات الاتصالات عن زيادة السرعة في الإنترنت وكيف جاء الإعلان ليعبر عن تلك السرعة فأظهر متسلقاً يهبط من الجبل، ليكون الإعلان في وادٍ وما تهدف إليه الشركة في وادٍ آخر، أو حتى عن إعلان عن خدمة جديدة موجهة إلى ملايين الناس يهم فيه ممثل زميله في الإعلان بالغزل عندما تفوه بعبارة (افا....) ليرد الآخر أن من معه على الخط هي الخدمة الجديدة!! ومع ذلك تسرف الشركات بدفع ملايين الريالات من أموال المساهمين دون أن يكون لتلك الإعلانات رقابة داخلية من الشركة، مما يجعل تأثيرها سلبياً على المراهقين، أو حتى لا يكون لها أي تأثير يذكر سوى تفاخر الشركات في آخر العام بما دفعوه على الإعلان للدرجة التي أصبحت معها المؤسسات الإعلانية فكرة رائجة للمنتجين والمخرجين لمن يسعون إلى الثراء السريع دون وجود رأسمال يذكر، ويقدم هؤلاء -بسبب تسابق الشركات عليهم- العشرات من الأعمال (الفارغة) من أي مضمون ورغم أنها تنتج بمبالغ عالية، إلا أنها لا تمثل استمالات مدروسة لأنهم يعلمون بعدم توفر المتخصصين الذين يستطيعون مناقشتهم في الإعلان! والدليل على ذلك إظهار الخليجي في الإعلانات كعربي في أحد الأفلام الأجنبية بشكله وطريقة لبسه! أو حتى من خلال شكله أو لهجته (ويش تاني)! وقد تنفذ إحدى الشركات حملة إعلانية بشعار فيه الكثير من الاحترافية، إلا أن أسلوب التنفيذ قد يفسد كامل الحملة، سواء بسبب الاحتكار للوحات الإعلانية والإخلال بأبسط قواعد المنافسة مما ينعكس سلباً على الشركة المعلنة ممن لا يفهمون مغزى الشركة من هذه الرسالة، كما لم تثبت الدراسات أن من يدفع أكثر في الحملات الإعلانية، يربح أو يصل أكثر حتى لو عمد الظهور في كافة وسائل الإعلام واللوحات الإعلانية طوال الوقت، لأنه لم يطبق التكرار بالشكل العلمي المطلوب، إذا لم تكن لديه الكوادر الإعلامية والتسويقية القادرة على معرفة تلك الجوانب من داخل الشركة نفسها، خصوصاً وأن من يتولون مسؤولية التخطيط الإعلاني والتسويقي في الكثير من الشركات ليسوا متخصصين في المجال الإعلامي بل كوادر إدارية، وفنية، وتقنية جاءت من داخل الشركة، بعد أن حققت نجاحات في أقسام أخرى! فالشركات لابد أن تركز على ربط أهدافها الإعلانية بأكثر الشعارات جاذبية، وصولاً إلى العقل الباطن لمستقبل الرسالة، حيث يثار العقل الباطن ويكرر الإعلان كما يحدث مثلاً مع دعاية لمعجون أسنان إحدى الشركات حيث سعت تلك الشركة المنتجة لهذا المعجون إلى ربط اسم المعجون الذي تصنعه (برائحة الفم المنعشة)!!، وليس بالحماية من التسوس، بالرغم من أن كل المعاجين الأخرى تؤدي في النهاية إلى هذا الانتعاش، لأنها أجرت دراسات واكتشفت أن المستهلك يحرص على أن يكون فمه منعشاً أكثر من حرصه على أن تكون أسنانه خالية من التسوس! فهل قامت تلك الشركات التي أصبحت تتسابق على الإعلان بشكل يومي محموم بإجراء الدراسات عن المستفيدين من الخدمة أو المنتج؟! والإجابة: لأن الدراسات تحتاج إلى الوقت ولا تظهر النتائج للمسؤول الإعلامي أو التسويقي بالسرعة التي يؤديها الإعلان، فاكتفى الكثير من المسؤولين عن الإعلام والتسويق باستلام شريط الإعلان بواسطة البريد الممتاز، لتتعاقد على بثه مع الفضائيات، دون أن يكون لها رأي في مضمونه أو استمالاته! وهل درست تأثير ذلك الإعلان بعد بثه؟ وهل سيؤدي هذا الإعلان إلى صدام مع المتلقي، أو حتى مع منتج أو شركة أخرى؟ فقد شاهدنا الكثير من الشركات تقلل من إمكانات الشركات المنافسة ومحاولة إفهام الناس أنها الأفضل، وهي لا تعلم أن طريقة استقبال موظفها أو طريقة تقديمهم للخدمة، أو حتى موقف مع الشركة، قد تجعل العميل يقاطع الشركة للأبد! وقد تسرف بعض الشركات في اتباع خطط إعلانية بعيدة المدى من خلال ربط بعض السلع والمنتجات الخاصة بالأطفال بشخصيات كرتونية يشاهدها الطفل باستمرار، مما جعل بعض الشركات تتعاقد مع محتكري تلك الشخصيات لوضعها على علب أغذية الأطفال، والألعاب، وعلى بعض الحلويات، والوجبات السريعة، لأنهم يعلمون أن الأطفال أكثر قدرة على إقناع الآباء بشرائها رغم أن الكثير منها قد لا يكون الأفضل في السوق، ومما يزيد من خطورة بعض الإعلانات أنها توجه إلى الطفل مباشرة، خصوصاً وأن المنفذين لتلك الحملات يعون سهولة التأثير في الطفل وتشكيله، ومما يزيد المشكلة أن الطفل قد يستخدم كلمات التقطها من الإعلان لا تناسب سنه وبالتالي لابد من حماية أطفالنا من التأثير السلبي لغياب الأخلاقيات في بعض الإعلانات، كالقيام بأداء حركات خطرة في الإعلان كالسقوط الجماعي من الدور العلوي كما يظهر في إعلان أحد العصائر، أو القفز بعجلات التزلج من مناطق عالية، كما يظهر في أحد مشروبات الطاقة، مما يدفع بالأطفال فيما بعد لمحاكاتها وتقليدها، أو حتى صور ومشاهد تحث على الغزل، أو التفحيط كما في إعلان بعض السيارات، أو السرقة كما أن الكثير من الإعلانات تعمد إلى إثارة غرائز الناس للوصول إلى هدفها، ومن ذلك استخدام مفاتن المرأة في الإعلان التجاري، فهناك الكثير من الإعلانات التي تبث لدينا والتي تعلن عن منتجات لشركات عالمية كبيرة تباع في العديد من الدول تبث باستخدام نفس الاستمالات الإعلانية التي تستخدم متحررة في معتقداتها وعاداتها وقيمها عن مجتمعنا، وفي نظري أن مسلسل (نور) التركي الذي يبث من قناة (mbc) حالياً قد حقق لوزارة السياحة التركية أكثر مما حققته إعلاناتها التلفزيونية عن جذب السياح إلى تركيا على مدار عقود من سنوات، والمتابع للمسلسل يلاحظ أن منازل أبطال الفيلم في أجمل أحياء (استنبول) إضافة إلى أن مواقع التصوير الخارجية كثير ما تتم في مناطق سياحية جميلة ورائعة، ولو كنت وزيراً للسياحة في تركيا لأهديت المحطة أكثر من مسلسل ولدفعت لهم تكلفة الدبلجة لعرضه، نظراً لما حققه المسلسل من نجاح وزيادة الإقبال السياحي على تركيا، وأنا على يقين أن نسبة المسافرين هذا الصيف من الدول العربية إلى تركيا سيزداد بصورة ملحوظة مما يجعلنا نؤكد أن الإعلانات لها الكثير من الأساليب والطرق التي قد لا تكون مباشرة كما هو الحال مع مسلسل (نور) وعليه فإن التطور الاقتصادي الذي تشهده بلادنا زاد من الطفرة الإعلانية، مما يحتم البحث بجدية في السبل الكفيلة بوضع أخلاقيات للإعلان، تمنع الاحتكار، وتحمي القيم النبيلة التي نعتز بها وتقع المسؤولية في ذلك على مجالس الغرف التجارية لوضع الضوابط اللازمة لذلك لأنها الأقرب لذلك.