تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ الخبر الذي بثته وكالة الأنباء السعودية (واس) يوم الخميس 11-4-1429هـ، الموافق 17-4-2008م من أن وزراء النقل في المملكة والأردن وسوريا قد اجتمعوا يوم أمس ضمن الهيئة العليا للخط الحديدي الحجازي التي بدأت اجتماعاتها يوم أمس في عمان ،
مؤكدين أهمية تطوير التعاون مع الدول العربية الشقيقة في مجالات النقل باعتباره العصب الرئيسي للتعاون في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية وتسهيل حركة الأشخاص والسلع بين الدول.
أقول: تبادر إلى ذهني ما كنت وغيري يقرأ مثل هذه الأخبار قبل خمسين عاماً عندما كان وزير المواصلات الأديب طيب الذكر محمد عمر توفيق وقبله الأديب عبد الله السعد -رحمهم الله- منذ عام 1377هـ والاجتماعات متواصلة بينهم وبين وزراء المواصلات الأردني والسوري وأحياناً التركي، كل هذا وهم يرددون الأهمية المطلقة لهذا الخط.
كدت أقول أو أكرر ما قاله (غوار الطوشة): (صح النوم).
وأقول: لو صرف ما صرف على تلك الاجتماعات من مبالغ لكفى لإعادة الخط على ما كان سابقاً، إذ إن المحطات والخط وحتى العربات كانت جاهزة فقط تحتاج إلى إعادة صيانة وترميم وتعود إلى سابق عهدها مع ملاحظة تحديث ما تحتاجه لمواكبة ما استجد من آلات وغيرها.. العالم يتقدم بسرعة مذهلة ونحن للأسف نجتر أحلامنا في الليل وننساها في النهار.
وإلا فما الداعي لهذه الاجتماعات المكوكية بينما يكفي أي مسؤول العودة لملفات الاجتماعات القديمة وما تم بشأنها.. أو فقد كاد المجتمع أن ينسى هذا الخط المهم وساهم التطوير في إزاحة أي ذكرى لمثل هذا المشروع الحيوي، إذ أقدمت أمانة المدينة المنورة في العام الماضي على هدم محطة القطار رغم جمالها وحسن تصميمها.
وطالب البعض بإبقائها كأثر رمزي أو كمظهر حضاري يذكرنا بأن آباءنا كانوا يفكرون أفضل منا.. كانوا يعملون للمستقبل، للأجيال القادمة، أما نحن فيكفينا أن نعيش ليومنا.
لعلي بالمناسبة أستعيد ذاكرة من عاصر هذه الأحداث وبقوا على قيد الحياة، وأذكِّر هذا الجيل وما بعده بما عمله أسلافنا وما خططوا له من أجل إسعاد الأجيال القادمة، فبالعودة إلى الجريدة الرسمية (أم القرى) نجد في الصفحة الأولى من العدد (429) ليوم الجمعة 6 ذو القعدة 1351هـ الموافق 3 مارس 1933م أي قبل أكثر من ثلاثة أرباع القرن نجد المرسوم الملكي رقم 5695 يقول بالنص: (بسم الله الرحمن الرحيم: مرسوم رقم 5695 ، نحن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود.. ملك المملكة العربية السعودية.. بعد الاعتماد على الله.. وبناء على ما عرضه علينا نائبنا ورئيس مجلس وكلائنا وموافقة مجلس الوكلاء..
أمرنا بما هو آت:
المادة الأولى: يعتمد الاتفاق الموقع عليه بين وزير ماليتنا والسيد عبد القادر الجيلاني بتاريخ اليوم الخاص بامتياز إنشاء خط حديدي بين مكة المكرمة وجدة، ويكون جزءاً متمماً لهذا المرسوم ولا يجوز تعديله إلا بموافقتنا.
المادة الثانية: على وزير ماليتنا تنفيذ أحكام هذا المرسوم.
صدر في الرياض في هذا اليوم الثامن والعشرين من شهر شوال 1351هـ الموافق 23 فبراير 1933م.
التوقيع (عبد العزيز) في 28 شوال سنة 1351هـ
بأمر جلالته
التوقيع (فيصل)
وإلى جوار هذا المرسوم نشرت الشروط والأنظمة التي تنظم الاتفاقية ويلتزم بها الطرفان، وقد وضح في ثناياه الفوائد التي ستجنيها البلاد وأهلوها والوافدون إليها من المسلمين.
ولو عدنا قليلاً إلى المقابلة التي أجريت مع معالي وزير المواصلات الشيخ عبد الله السعد عام 1381هـ-1961م أي قبل ما يقرب من نصف قرن، وقد وُجِّهَ له سؤال يقول: ماذا تم في مشروع إعادة سكة حديد الحجاز فيجيب بقوله: (سبق أن طرح هذا المشروع في المناقصة، وقد تقدمت عدة شركات لإعادة إصلاح الخط المذكور.. وتتولى اللجنة الفنية التنفيذية لإعادة تسيير الخط المذكور والمكونة من مندوبين من الدول الثلاث التي يمر الخط في أراضيها، تتولى اللجنة دراسة هذه العروض وسيتم إرساء العملية على الشركة التي تقدمت بأسعار مناسبة. وأرجو أن يتم ذلك في القريب العاجل..
وسأكتفي بهذه الفقرة فقط للتذكير، وإلا فالكلام يطول حول التفاصيل.. ولأهمية أن أذكر سؤالاً آخرَ أجاب عنه معاليه، وإجابته تقول: إن الحكومة وعلى رأسها صاحب الجلالة الملك المعظم مهتمة بإعادة تسييره، ولقد تمت حتى الآن جميع الدراسات اللازمة لذلك وأن عملية ترميم الخط وإصلاحه أسندت إلى المعلم محمد بن لادن بالاشتراك مع بعض الشركات العالمية، وفعلاً اتخذت الخطوات العملية لذلك وستباشر الشركات عملها في القريب العاجل) انتهى كلام معاليه.
وكان مجموعة من أهالي مدينة بريدة قد قدموا للسلام على جلالة الملك سعود عام 1379هـ - 1959م فبشرهم بأن بريدة ستكون المحطة الرئيسية لخط سكة الحديد الذي سيبدأ من الرياض إلى المدينة المنورة.
وللطرافة أستعير ما سبق أن كتبه الأستاذ عبد الله عمر خياط (مع الفجر) في هذه الصحيفة قبل ثلاث سنوات وهو يحتفل بمرور مئة سنة على وصول القطار للمدينة المنورة قائلاً: في مثل هذا اليوم 22 من شهر رجب المحرم من مائة عام وصل إلى المدينة المنورة أول قطار في 22-7- 1326هـ ليخدم المسافرين وينقل المنتجات من الأردن وسوريا إلى المدينة المنورة قبل موعده، مما يدل على أن سائقه سار بسرعة أكثر من الحد المقرر، فقد صدر أمر الوالي يومذاك بشنق القطار ليظل ذكرى حتى تاريخه!!.
أنا أتساءل فقط: هل هذا الاجتماع - المشار إليه في بداية هذا المقال- كالاجتماعات الماضية التي غطاها النسيان، أو حتى القرارات والمراسيم الملكية التي لم تنفذ رغم الحاجة الملحة لها؟!
هذا فقط للذكرى، فقد فرحنا بما سبق، ولكن كما يقول إخوتنا في مصر: (يا فرحة ما تمت!).