حائل - عواطف اليوسف
نظمت اللجنة المنبرية في نادي حائل الأدبي يوم الأحد 13-5- 1429هـ في القاعة الثقافية بمقر النادي قراءة نقدية بعنوان (قراءة في ديوان (كما أشاء) للشاعر أحمد كتوعة قدّمها الأستاذ سعود السويداء، وأدارها عبد الرحمن الرشيدي الذي بدأ بعرض سيرة السويداء لتبدأ القراءة بمقدمة للسويداء حول الشعر كصنعة والشعر كأداء.
وقال السويداء: نشر الشاعر أحمد كتوعة ديوانه الأول ضمن مجموعة من الشعراء الشباب الذين اختاروا اختبار الإمكانات الشعرية التي توفرها قصيدة النثر، من ضمنهم حمد الفقيه، علي العمري، أحمد الملا، إبراهيم الحسين، وغسان الخنيزي، وأيضا عبد الله السفر ( لمن أراد تصنيف نصوصه الملتبسة اجناسيا ضمن قصيدة النثر).
وأضاف السويداء: لم تكن المراهنة على حداثة هذا الشكل الشعري، فتجاربه العربية الناضجة على الأقل تعود إلى منتصف الخمسينات مع أنسي الحاج ومحمد الماغوط وأبو شقرا وأدونيس، بل كانت المراهنة على وجود مساحات جمالية واسعة وغير مستنفدة ليجد كل من هؤلاء شخصيته الشعرية من خلالها. خصوصاً إذا تذكرنا أن معظم شعراء هذه المجموعة كتبوا الشعر الموزون (التفعيلة) وأنجز بعضهم دواوين لم يكن لها حظ النشر وهو أمر يمكن لنا فهمه إذا تذكرنا البيئة الثقافية في نهاية الثمانينات (حين أنجز أحمد كتوعة مخطوطة ديوانه التفعيلي الأول (الذهاب إلى الماء أمام) وظل الديوان لسنوات قابعاً في أدراج أحد الأندية الأدبية، وهو يشبه مصير مخطوط ديوان آخر للشاعر علي العمري).
وأضاف: لم يكن هؤلاء الشعراء هم أول من كتبوا هذا الشكل الشعري على المستوى المحلي، ففي منتصف السبعينات الميلادية أصدرت فوزية أبو خالد ديوانها الأول (إلى متى يختطفونك ليلة العرس)، ثم أواخر الثمانينات صدرت دواوين الشاعر محمد عبيد الحربي (الجوزاء، رياح جاهلة)، قبل أن يتحول الشاعر محمد الدميني إلى قصيدة النثر في ديوانه الثالث (سنابل في منحدر)، الذي قدم فيه ما أرى أنه أنضج تجربة شعرية في هذا السياق سبقت 1996م، تاريخ إصدار الدواوين الستة المشار إليها أعلاه.
وقال: بدت تلك الإصدارات كما لو كانت قد ضخت شيئاً من الحيوية الشعرية في الوسط الثقافي، وإن كان معظم النقاش الذي أثير أقرب إلى الجدل والتشكيك في شعرية هذا الشكل الشعري قصيدة النثر، وإذا استثنينا الجهد النقدي الدؤوب الذي قدمه الناقدان محمد العباس في كتابيه (قصيدتنا النثرية)، و(ضد الذاكرة)، ومحمد الحرز في متابعاته النقدية للدواوين المنشورة، فإنّ ردود الفعل كانت تتراوح بين التجاهل والتعليق الرافض والتعاطف غير المستوعب أحياناً لفنيات هذا الشكل الشعري.
وأضاف السويداء: ضمن هذه الظروف، نشر أحمد كتوعة ديوانه الأول (كرة صوف لفت على عجل) وقد عكست نصوص تلك المجموعة وعياً بالجماليات الخاصة لهذا الشكل الشعري، من تكثيف واقتصاد تعبيري، وابتعاد عن الغنائية، وإصرار على البُعد الشخصي والفردي مقابل البعد الجماعي مع التخفف من البلاغة التقليدية في صياغة العبارة الشعرية ... الخ الملامح التي عرفت بها قصيدة النثر.
وقال: ما تميزت به هذه المجموعة، ربما، في هذا السياق، هو صياغتها البصرية لمشهد مدني، تحضر فيه الغرف، والبنايات والشوارع والإضاءات والسيارات والمحلات وإصرارها على البقاء ضمن نثرية (الواقع) اليومي، والتنويع في المنظور، بحيث لا يكون للذات أكثر من دور هامشي ضمن المشهد، مع التأكيد على الاحتمالية عبر كلمات مثل (لعل)، (ربما)، (لو). كل هذا ضمن جمالية زعزعت مركزية الذات في الإنشاء الشعري عموماً.
ثم تناول السويداء صورة الشاعر في غيابه وقال: ربما كان ما يلفت الانتباه، بداية، في النصوص الجديدة، أنها تظهر أقل حرصاً على الإحكام، أكثر استرخاء داخل فضاء الكتابة، تلك الحرفية الاستثنائية والتوتر المتقن الذي ميز نصوص (كرة صوف)، بحيث يندر أن تجد مكاناً لإضافة أو تعديل أو استبدال، يجري التخلي عنه في نصوص (كما أشاء)، ذلك الاحتدام المنضبط ترك مكانه لنبرة مسترخية، ممتدة، أقل انضباطاً فنياً لكن أكثر حرية ..
وأضاف: هذا التنازل الحرفي (بكسر الحاء) مكن أحمد كتوعة أن يمنح صوته الشعري إمكانية اكبر للحركة، لاستكشاف مساحات تعبيرية أوسع ثم تطرق للكتابة عند درجة الفضيحة وقال: لم يتوقف أحمد كتوعة عند الإمكانيات التي أتاحتها تلك الحرية المكتسبة حديثاً، بل حاول الذهاب بها إلى حدود قصوى، وهنا أشير إلى مجموعة القصائد في القسم الأخير من المجموعة تحت عنوان (نتوءات)، وهو القسم المتوقع أن يثير شيئاً من البلبلة والإرباك لقراء المجموعة. كون الشاعر ينزع قناع الصوت الشعري (أم يستبدله؟) ويخاطب قراءه مباشرة، مخلخلاً المسافة بين قناعه (صوته) الشعري وبينه هو. وأضاف: أحمد أكثر تأدباً مع قرائه، إذ يصفهم بأنهم لمّاحون وأذكياء. ومع أنّ عنوان المجموعة (كما أشاء) مأخوذ من قصيدة في المنتصف، إلاّ انه يغمز، مستفزاً، باتجاه النصوص الأخيرة في الكتاب.
ثم في محور الشعر كصنعة، قال السويداء: هنا تكون الأولوية للإتقان. كما لو كان الشاعر يسعى للقبض على الزمن. ليحبسه في شكل للاحتماء منه، يتخفى في ورشته ويعيد إنتاج لحظات تالفة، بحيث تصبح مقاومة للزمن، تعرض بعيداً عن النشارة وفوضى الورشة في صالة عرض خاصة (دفتي ديوان شعري مثلاً) وينتظر لها الخلود .. وعن الشعر كرحلة قال: يسعى الرحالة، وقيمته الأولى الاكتشاف، للالتحام بالزمن، لأن يصبح هو الزمن. وأضاف: ليس بالضرورة أن يتنقل في البلدان ليصبح رحالة، يمكن أن يتنقل في الأساطير، في الأفكار أو الذكريات ... الخ، تلك هي طريقته في التخفي، وهو الآن لا يسعى إلى إنتاج كريستالات شعرية متقنة، بل يسعى للتمدد شعورياً، للتماهي مع الزمن، للدخول في تجاويف اللحظة وظلالها، واختبار إمكاناتها، وهو ما ينطوي على المراوحة والتكرار كي يختبر ويصف كل شيء، مرة والى الأبد.
بعد ذلك بدأت المداخلات حين أكد ناصر الهواوي أن هذا الجنس فيه ثورة على الشكل والمضمون، وهو تطفل على القصيدة، وأضاف: إن هذا النوع لا هو شعر ولا هو نثر، فهو مسخ لا يرقى على الشعر ولا يصل إلى النثر.
فيما قال بدر السويداء: إن الأدب يكتب للعامي والقارئ البسيط، وتساءل عن الغموض في هذا الجنس، مطالباً بتفسير لبعض النصوص حين قرأ مقطعاً من قصيدة نتوءات. فيما تساءل عضو مجلس إدارة النادي الأستاذ شتيوي الغيثي عن علاقة الحداثة وما بعد الحداثة بالأدب السعودي، ليؤكد سعود السويداء أن الاحتجاج الذي نجده عن تطور الشعر، لا نجده عن تطور الفن التشكيلي أو المسرح لأنّ الشعر جزء من تراثنا، مؤكداً أن شعر النثر يحتاج إلى جهد لقراءته وفهمه، ملمحاً أن أدونيس ونزار قباني ليسا قدوة لغيرهما ولكنهما مثيران في الشعر، لأنّ الشعراء يكتبون بلغة واحدة فيتأثرون بعضهم ببعض.
وقال عمر الفوزان عضو مجلس إدارة النادي الأدبي: إن الشعر ليس كتاباً مقدساً والتغيير ظاهرة طبيعية، ملمحاً أنّ الشعر يعتمد على عقلية الشاعر والخروج عن المألوف عند أبي العلاء المعري لم يلق ما لقيه خروج بعض الشعراء الآن.
وقال الشاعر مجدي عبد العاطي إن هوية الشعر ترتبط بهوية الشاعر، ليؤكد سعود السويداء أن قصيدة النثر كأنها تبدأ دائماً من الصفر، لأنه لم يرافقها زخم نقدي وتنظيري كقصيدة التفعيلة.
وقال رئيس مجلس إدارة النادي الأستاذ محمد الحمد إنّ التغيير الذي نما مع الشعر مستمر، والعصر العباسي شهد تغيراً في الشعر وجدت معارضة التغيير، مؤكداً أنّ قصيدة النثر تتطلّب تراكماً قرائياً وإبداعياً من جانب الشاعر، وكذلك القارئ للشعر خاصة الذي تعوّد على قراءة الشعر العمودي، لا يستطيع أن يتقبّل بسرعة قصيدة النثر من منطلق شعر آخر .. خاتماً أنّ قصيدة النثر لم يصل النقاد إلى لملمة كل ما فيها من جماليات، مما أفقدها القراءة النقدية التي تستحقها.
وأكد فهد مسلم أنّ أي فرد من أفراد المجتمع يستطيع أن يكون شاعراً عندما يكتب أي خاطرة، الأمر الذي رفضه السويداء، وقال إنّ حاجز الشعر ليس الوزن بل كيف يمكن إقناع المتلقي بامتلاك الشاعر لرؤية شعرية.
وتساءل القاص وعضو مجلس إدارة النادي سعود الجراد، عن قصيدة النثر وعلاقتها بالمنابر، وهل هي مكتوبة لقراءة هادئة، ليؤكد رشيد الجار الله أنه يشعر بأنّ هذا الشعر كتب ليكون نخبوياً متسائلاً: هل هذا الشعر أراد من شعرائه ألاّ يكون مفهوما، فعلّق السويداء أنّ الشعر ليس لغزاً يبحث عن حل لأنه يقول للمتلقي ما تثيره الصورة وما توحي به لديه، خاتماً إنّ الشاعر لا يرى بنفسه منقذاً حتى يسطح شعره، بل هو مبدع يكتب إبداعه والصور الشعرية هي ما يراه المتلقي.