الرياض - شيخة القحيز
عقد المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية ملتقاه الدوري للأدباء الشباب لشهر جمادى الأولى 1429هـ في مقره بالرياض، بمشاركة أحد عشر أديباً تنوّعت نصوصهم بين الشعر، والقصة، والخاطرة، والنثر الفني، وأشرف على الملتقى واستمع إلى نتاج المبدعين الأستاذان الناقدان: الدكتور حسين علي محمد، والدكتور خليل أبو ذياب، وقد أثيرت عدة قضايا شارك فيها الجمهور في تواصل مع الأدباء، مما زاد اللقاء ثراء.
ترانيم غريب
من أجمل قصائد الملتقى في فنياتها جاءت قصيدة: (ترانيم غريب) للشاعر عبدالإله البكار، وهي من شعر التفعيلة على غير عادته، واستطاعت أن تبحر بنا في صور جديدة، ومصاحبات لغوية تجاوزت المألوف، لكنها وقعت في خلل عروضي في الشطر الأخير منها:
سفر سفر هذا العمر الأفل خلف مطارات ظنوني
أتزود بالصبر وأجتر حكايات الأمس لأرخي الأشرعة الوردية
لكن الشوق يعزيني
يتركني للصمت تمثالاً تتبعثر داخله الأصداء
وتقوم قصيدة: (هشيم الحب) للشاعر نبيل الزبير على المقابلات بين فقدان الحب، والتمسك به، وبين الإخلاص والخيانة، وبين الغياب والحضور، وهي لا تخلو من لوعة داخلية، ومزج بين الحسي والمعنوي في صورها التي تقدح من لظى المعاناة، ولغة مشحونة بفضاء رومانسي إذ يقول:
اسكب على الحب دمع الفند والحزن
واكتب على حائط العشاق لم أخن
يلومني الصحب مالي لا أنوم أنا
ألم أكن يوم خانوا خير مؤتمن
وشخص المهندس الشاعر مؤيد حجازي شعره في قصيدته: (قصيدتي) فيخاطبها كمحبوبة تتمنّع عليه، ويوغل في رسم صورتها المتجذرة فيه رغم الصدود، قاطفاً لغته من حقل الطبيعة، ولم يغادر فضاءاته الجميلة الحالمة، فيشدو لصفاتها:
وتدفقي بين الحقول يشق دربك مرسمي
واروي القلوب الظامئات على يديك سترتمي
الرحمة المهداة
أما قصيدة: (ثنية الوداع.. الوعد والحلم) للشاعر معاذ الهزاني فهي تنمو من خلال موضوعها في حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وترق بشفافيتها لتعانق أنوار المصطفى، كما اكتنزت بصورة حية، ومشاهد من روحانية الذكرى المعطرة لمولده صلى الله عليه وسلم فيقول:
إلى طيبة الأسنى، إلى قبلة الشذا
إلى مولد الذكرى ونبض المآثر
يضج بي الحب الشفيف، فأنثني
لأمتاح من بحر من النور زاخر
يا قدس
وتظل القدس وفلسطين في ذاكرة الشعراء الشباب، فهذا الشاعر المبدع يزف أشواقه للقدس وفلسطين في قصيدته: (ستون في قبضة الطين)، ويستثمر الجمل الاسمية والنداء الجارح في معظم أبياته مشعلاً فينا الأحزان والآلام لما آلت إليه القدس السليبة، فمتى نصغي لحمحمات الخيول المعقودة في نواصيها الخير كي توصلنا لفجر جديد؟!
سنون والفجر الفقيد مضرج
في قيده والغاضبون بلا يد
يا قدس شاطئك المهيب يشوقني
وزوارقي طينيّة كتجلدي
ويأخذنا الشاعر الدكتور عبد الجبار دية إلى مشهد من فلسطين أيضاً، مشهد لطفل فلسطيني يتشبث بأمه وهي تحتضر بعد قصف الطائرات اليهودية لمنزلهم في غزة، وهو يستنهض همم الأمة في قصيدته (من وحي صورة) متألما حزيناً:
يا للغلام يفارق الصدر الحنون
والطفل يسأل: أين تذهب أو تغيب
يا للفراق وظله الأسمى الرهيب
لقد استطاع الشاعر أن ينقلنا إلى تلك الصورة المعبرة للأم وطفلها، بتعبير مباشر يحمل فيضاً واسعاً من جوانب المأساة الفلسطينية التي تتجدد كل يوم والعالم يرقبها بصمت.
النيل الحزين
وينطق الشاعر المبدع عماد علي قطري في قصيدته: (يا سيدي الشعب) نيل مصر شاكياً شاهداً على العصر، وعلى الزيف الذي يحيط بأوضاعنا، وواقعنا العربي والإسلامي المؤلم، والقصيدة من شعر التفعيلة الذي يعتمد على التدوير في التشكيل الإيقاعي، وهي تجترح لغتها من الواقع بسخرية مرة، والتي تميز قدراً كبيراً من شعره:
ما بال نيلك سيّدي يشكو كثيراً
تحت وطأة زيفهم.. زيف انتظار
والسندباد أضاع خارطة البلاد
فدار حول الوجد من زيف الدوار
وتأتي كتابة الأخ عبدالرحمن الشهري الذي يشارك أول مرة نثرية، وإن أطلق عليها (قصيدة) لأنها تخلو من الوزن، وهي بعنوان (نختنق) وقد استطاع أن يرسم صوراً جميلة ولكنها مغرقة في أحزانه، ومعاناته الخاصة.
على مذبح الخوف
ونصغي في النثر الفني لقصة قصيرة، وخاطرة، وكانت القصة بعنوان (على مذبح الخوف) للشاعر الدكتور عمر خلوف الذي لم نقرأ له قصصاً من قبل، وتحكي القصة تصدي مقاومين اثنين لدبابات الأعداء، وقد استطاعا إعطاب عدد منها، وأبديا شجاعة نادرة، وأرى أن الكاتب نجح فنياً في التأثير في المتلقي من خلال صوره المعبرة عن الحدث، ولغته وتراكيبه السهلة.
أما خاطرة (الحنان) فهي من الخواطر المؤثرة للكاتب يس عبدالوهاب، وتميزت بشموليتها وعمقها، وقدرتها على الإقناع مما يؤكد أن الكاتب يتقدم في قدراته الفنية، ومضامينه المشرقة!