الرياض - عبد الله الحصان
في كل صيف تتنافس المدن الرئيسية في المملكة على جذب الزوار والسياح، وهذه المدن لا تعتمد على السياحة الخارجية كثيرا؛ حيث إن اهتمامها وتوجهها هو لتشجيع السياحة الداخلية، والتي تطورت كثيرا في السنوات العشر الماضية؛ حيث لاقت النجاح الإعلامي ولاقت التأييد الشعبي.
وموسم الصيف هو موسم السياحة الداخلية بسبب الإجازات الدراسية الطويلة، والتي يتمتع بها ما يزيد عن 30% من سكان المملكة؛ لذا فإن النشاط السياحي يبلغ ذروته في هذا الموسم.
وتزامناً مع قرب موعد الإجازة الصيفية قامت الجزيرة بعدد من اللقاءات سلطت خلالها الضوء على هذا القطاع الحيوي والهام والتقت خلاله بعدد من المتقدمين للمكاتب السياحية بهدف التمتع بإجازة الصيف.
بداية يقول أحد المهتمين في القطاع السياحي إن النشاط السياحي يعد اليوم من أبرز النشاطات في مختلف البلاد وذلك لكثافة الأعداد البشرية التي تطمح لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة وهذا الاتساع الهائل لمجالات النشاط السياحي لم يكن على هذا المستوى أو قريبا منه قبل عشر سنوات مثلا لكن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من جهة، وكثافة الإعلام السياحي من جهة أخرى. كل ذلك ساهم في وجود هذه القفزة السياحية العالمية؛ فالاتجاه العالمي إلى تقليل ساعات العمل وتوفير إجازات أكثر مع محاصرة الإعلام السياحي للأفراد جعل الكثيرين يخططون منذ وقت مبكر من العام لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة.
إن النشاط السياحي أصبح واقعا ملموسا، والتعامل معه ودراسته والتخطيط له وتوجيهه وتوظيفه للمصالح العامة يتفق مع منطق الحكمة.
ويضيف المختص الدكتور سعيد بن مبارك أنه إذا كان الكثير من دول العالم تعتمد على السياحة كمصدر أساسي لدفع دخلها. فإن هذا لن يكون في بؤرة اهتمامنا الآن خاصة أن إمكانياتنا السياحية لن تكون ذات جدوى اقتصادية في الوقت الحاضر على الأقل.
لكن الاهتمام بالسياحة وإن لم يكن مجدياً من الناحية الاقتصادية، إلا أنه يمكن أن يكون وسيلة جيدة لتخفيف الإنفاق على السياحة الخارجية؛ ذلك أن الكثير من العائلات عندما تحزم حقائبها للسفر تنشد جوا من الراحة وتغيير رتابة الحياة التي عاشتها السنة كاملة أو عدد من السنوات، فإذا توفر لها هذا الجو داخل البلاد فإنها سوف تفضله على السفر للخارج وما فيه من المعاناة والمشكلات الكثيرة من النواحي الأمنية والأخلاقية والتي بدأت كثير من العائلات تواجهها في رحلاتها الصيفية بشكل خاص.
فإذا نجحت السياحة الداخلية في جذب هذه الأعداد الكبيرة من العائلات فإنها ستوفر الكثير من الأموال التي تنفق في هذا المجال.
ويشير بن مبارك إلى أنه ليس تخفيف الإنفاق العائلي على السياحة هو الهدف الوحيد لتنشيط السياحة الداخلية، ولكن هناك سلسلة من الأهداف المتتابعة والتي سوف تتحقق من أبرزها الجانب الإعلامي بمنجزاتنا الحضارية؛ فالكثير من الأسر داخل المملكة لا تعرف أكثر من القرية أو المدينة التي تعيش فيها فإذا استطاعت السياحة الداخلية أن تجذب هذه الأسر وتشدها إلى المدن الداخلية والساحلية والمناطق السياحية كان لذلك أكبر الأثر في تعريف الأفراد بوطنهم ومنجزاته الحضارية الكثيرة والتي تعتبر معرفتها جزءاً من الثقافة الوطنية الهامة، ويترتب على هذه المعرفة بأجزاء الوطن ومنجزاته الحضارة ارتفاع نسبة الانتماء للوطن والفخر به، ومن ثم يصبح الأفراد وسائل إعلامية متحركة في هذا المجال.
ثم إن الأطفال الذين ينشأون داخل الأسرة وينتقلون معها في رحلاتهم السياحية الداخلية يصبح ذلك السلوك جزءاً من تكوينهم وتصبح السياحة الداخلية سلوكا دائما لهم بدلا من السياحة الخارجية التي تشكل نوعا من التهديد الثقافي لبعض قيمنا وسلوكياتنا والتي ذهب ضحيتها عدد من الشباب.
وإذا نشطت السياحة الداخلية فإن المستقبل المنظور كفيل بتطور صناعة السياحة ورسوخ تقاليدها لدى الفئة التي تقدم الخدمات السياحية في الداخل وهذا بدوره كفيل بحل كثير من المشكلات السياحية وتلافي العديد من العوائق التي تقف أمام نمو النشاط السياحي مما يحول دون تحقيق أهدافه.
وعن الأهداف الكبيرة التي ينبغي أن توظف السياحة لتحقيقها يقول ابن مبارك أنه يجب التعريف بالمملكة (الكيان كله فكرة عقيدته، نظامه، تطوره، مواقعه الاجتماعية) وهذا الهدف قد تعجز عن تحقيقه الحملات الإعلامية المنظمة ويحقق من خلال السياحة.
ويمكن أن تستغل السياحة الداخلية في الدعوة إلى فضائل الإسلام وأخلاقه وسلوكه، فالسياحة العالمية الملوثة هي التصور الذي يحمله غالب الناس عن مفهوم السياحة ويستبعد الكثير منهم أن تكون السياحة وسيلة خير لتقديم الفضائل من خلالها. إن الكثير من العرب والمسلمين يحجمون عن السياحة لهذا المفهوم السائد وهم على حق في ذلك- لكن إذا استطاعت المملكة أن تهيئ من خلال إمكاناتها السياحية الجيدة مناخا نظيفا للسياح والمصطافين يجدون فيه الأمن والطمأنينة وقضاء الأوقات المناسبة بعيدا عن الخلل السياحي الذي يلف المنتجعات السياحية العالمية، فإن ذلك سيكون بدون شك من أقوى وسائل الدعوة إلى الفضيلة بتقديم البديل الجيد ومن أقرب الأمثلة على إمكانية نجاح هذه التجربة ما نشاهده من إقبال المصطافين من دول مجلس التعاون الخليجي إلى المملكة وهم القادرون بإمكاناتهم المادية على الوصول إلى أبعد الأماكن السياحية العالمية، لكن الرغبة في السياحة النظيفة هو الدافع الذي جعلهم يختارون المملكة لسياحتهم دون سائر الأماكن الأخرى.
ويكمل الواقع الاجتماعي المتوازن الذي تعيشه المملكة يعتبر نموذجاً جيداً بالمقارنة بواقع المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، والكثير من أبناء تلك البلاد يتمنى الوصول إلى المستوى الاجتماعي المتوازن الذي نعيشه هنا وإن السياحة قادرة على دعم ذلك التوجه وترسيخه في أذهان السياح والمصطافين والزائرين وهو جزء من رسالة المملكة العالمية التي ينبغي أن توظف نفسها لتحقيقها وتستغل كل الوسائل الممكنة في سبيل ذلك الهدف النبيل.