كلُّنا للفناء، فما لأحد في هذه الدنيا بقاء، هذا ما رددته حينما بلغني خبر وفاة الأديب صالح المالك أمين مجلس الشورى، وقد وصلني هذا الخبر المؤلم متأخراً بعد عودتي من سفر خارج المملكة شاركت فيه في افتتاح قناة (شاعر الرسول) الفضائية، وهي قناةٌ قطرية أنشأها وموَّلها أبناء الشيخ عبدالله الأنصاري -رحمه الله- ،وأعلنوا في حفل افتتاحها عن مسابقة كبرى باسم (شاعر الرسول).
عدت من سفري، وقرأت خبر رحيل (صالح المالك) فشعرت بما يشعر به كل إنسان حينما يسمع بخبر الرحيل الطويل، بعد رحلة الحياة القصيرة.
جوانب شخصية الرجل كثيرة، منها ما له علاقة بجودة أدائه في الأعمال التي قام بها، وكان آخرها أمانة مجلس الشورى، ومنها ما هو متعلق باهتماماته الاجتماعية من خلال تخصُّصه في هذا المجال، كما أشار إلى ذلك الأخ د. إبراهيم الجوير الذي تحدَّث عن تتلمذه على يد الفقيد في هذا المجال، ومنها ما هو متعلِّق بثقافته الواسعة واطلاعه الكبير، وبقراءاته المتعددة في مجالات الفكر والثقافة.
أما حسن التعامل، والأخلاق الفاضلة، وطيب المعشر، فهي تمثل الجانب المشرق في شخصيته -رحمه الله-.
ويبقى جانب العناية بالأدب، وباللغة العربية الفصحى، وهو جانب بارز في شخصيته، فقد كان معنيَّاً بالأدب والشعر، قارئاً وناقداً، وكاتباً، وناظماً، وفي ديوانه (إخوانيات) دليلٌ علىطرافة نظمه، وسلامة لغته، ودماثة خلقه، وعمق علاقاته بأصحابه وأصدقائه.
وما زلت أذكر قوله في موقف من المواقف: تستحق اللغة العربية الفصحى بجمالها وفخامتها أن تُرْفع في أعلى مقام، وأن نعلمها أجيالنا الناشئة؛ لأنها ترقى بالفكر، وتنظِّم طرائق التفكير عند الإنسان، بما فيها من البلاغة والبيان، والذوق الراقي، والسموّ في الأسلوب والأداء.
لقد كان -رحمه الله- مغرماً بالشعر العربي الأصيل، مأخوذاً بفصاحة لغته، وجمال تصويره البلاغي، لا يستطيع أن يخفي حبَّه له، وإعجابه الكبير به، وتقديره لمن يحسن صياغته وسَبْكه من الشعراء، وهو ينطلق في ذلك من حسن تذوقه للغة العربية التي كانت تسكن منه في الشّغاف، وتجد منه العناية الخاصة والتفضيل على اللغات الأخرى، ولقد كان لاطلاعه على اللغة الإنجليزية، ومعرفته بها نطقاً وكتابةً معرفة جيدة، دور كبير في معرفة قيمة اللغة العربية التي تظل أرقى اللغات وأعلاها وأشملها وأكملها.
رحل الأديب المثقف، المسؤول (صالح المالك) وبقي ذكره الطيب، وبصماته العملية الواضحة في مواقع المسؤولية التي عمل فيها.
عزاء صادقاً إلى أهله وذويه وأصدقائه ومحبيه، ودعاء خالصاً بالمغفرة والرحمة له وللمسلمين والمسلمات.
إشارة:
والذكر للإنسان عمرٌ ثان