رفحاء- منيف خضير
منطقة الحدود الشمإلىة إحدى مناطق مملكتنا الغإلىة ، وتمثل نسبة 7% من مساحتها ، تتنوع فيها المظاهر الطبيعية تنوعاً مناخياً وبيئياً وتضاريسياً ، فتحوي أراضيها مظاهر ومعالم طبيعية وجيولوجية مختلفة من مرتفعات وهضاب وحرات وأودية ... الخ .
ومن المظاهر التي تميز المنطقة الكهوف الأرضية والتي تعرف علمياً بالدحول ومحلياً بالخلايق أو الهبايا .
إذ تنتشر العديد من منها في أجزاء متفرقة من أرض المنطقة .
ولإلقاء مزيد من الضوء حول هذه الظاهرة الطبيعية التقت «الجزيرة» الباحث والمهتم بالجوانب الجغرافية والتاريخية للمنطقة الأستاذ : مطر بن عايد العنزي ليحدثنا عن هذه الظاهرة .
كهوف الإذابة
تُمثّل (الدحول).. إحدى عجائب وغرائب الطبيعة في منطقة الحدود الشمإلىة، فما حقيقة هذه الدحول؟
- تعرف الدحول علمياً بكهوف الإذابة ، وهناك نوعان من الكهوف منه ما يوجد في الجبال كالمغارة والنوع الآخر الكهوف الأرضية والتي تعرف بالدحول وهي أكثر الكهوف انتشاراً، والكهوف عبارة عن تجأويف طبيعية في الأرض تشمل كل الفجوات تحت الأرض عدا ما صنعه الإنسان ، يطلق على مجموعة التجأويف الأرضية الطبيعية المتصلة بعضها ببعض عن طريق منافذ ومداخل صغيرة اسم منظومة الكهوف SYSTEM CAVE ، كما يطلق اسم منظومة الكهوف على الكهوف المتجأورة التي ليست بالضرورة متصلة بعضها مع بعض في الوقت الحاضر فقد يكون هذا التواصل سائداً في الماضي
ما سبب وجود الدحول في منطقة الحدود الشمإلىة؟
بوجه عام توجد الدحول في إقليم الغطاء الرسوبي ، الذي يغطي مساحة واسعة من المملكة والذي تقع عليه المنطقة ، وتكثر الدحول في المنطقة في مكان يسمى الهبكة الواقعة جنوب المنطقة ( 140كم عن مدينة رفحاء ) وفي أرض السهلة (جنوب رفحاء بـ 65 كم تقريباً ) وفي جهات أخرى بالقرب من مدينة عرعر كدحل سويف .
لاعلاقة لها بالزلازل
يعتقد البعض عند مشاهدته للدحول أنها نشأت من جراء سقوط أجرام سمأوية أو نيازك، أويعتقد أنها بسبب زلازل أو هزات أرضية ... كيف يمكننا أن نفسر هذا ... ماهي الحقائق العلمية حول الموضوع ؟
- نعم في الحقيقة من يجهل طبيعة الأرض وتكوينها الجيولوجي سيكون عنده هذا التصور كما ذكرت ، لكن وعموماً فالمنطقة بعيدة عن مناطق الهزات الأرضية والنشاط الزلزإلى ! التفسير العلمي لظاهرة الدحول ( الخلائق ) هو أن الأرض التي تكثر بها هذه الظاهرة تتكون من حجر أم رضمة الجيري والذي يسمح بتسرب الماء عبر شقوقه،وهي ظاهرة كارستية ،حيث إن الأحجار الجيرية تتكون على هيئة طبقات ، وقد تكونت وترسبت تلك الطبقات تباعاً طبقة إثر طبقة عبر العصور الجيولوجية ، ولهذا التتابع في الترسيب نشأ نوع من الحدود الفاصلة بين الطبقات،وكذلك كثرة انتشار الفواصل والشقوق الرأسية على طبقات الأحجار الجيرية ، وتتميز الأحجار الجيرية أنها مكونة من معدن واحد ، حيث يطلق عليها صخور وحيدة المعدن ، وهذا المعدن هو الكالسيت CALCITE والذي يتكون كيميائياً من كربونات الكالسيوم ، وهو من المركبات الكيميائية التي يسهل على الأحماض حتى الضعيفة منها التفاعل معها وإذابتها ، فالماء الذي سقط وتريض على الأحجار الجيرية يكون قبل وصوله إليها قد أذاب بعضاً من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو ، ومع وجود الأكسجين كونا حمض الكربونيك، فعند تريض هذا الماء الذي أصبح حمض الكربونيك وتسرب خلال الأحجار الجيرية المكونة من كربونات الكالسيوم يحدث تفاعل بينهما ،حيث تتحول كربونات الكالسيوم إلى بيكربونات الكالسيوم فتصبح قابلة للذوبان في الماء،ثم تأخذ المياه المحملة بحمض الكربونيك بالتسرب شيئاً فشيئاً خلال الفواصل والشقوق الرأسية الموجودة في طبقات الأحجار الجيرية ، حيث تذوب هذه الطبقات تاركة وراءها فراغاً ما يلبث أن يزيد حجمه قدراً واتساعاً كلما استمر تأثير المياه وزاد تركيز حمض الكربونيك وعبر الزمن الجيولوجي ينتج عنه الكهوف والدحول والمغارات التي يتفأوت حجمها بحسب ما تحمله المياه من ذلك الحمض .
الصواعد والهوابط
يلاحظ كثير من مرتادي الدحول الذين يعشقون سبر أغوارها وجود أشياء تشبه الزجاج تلمع معلقة في جدران الدحل .. ما هو سبب وجودها ؟
تسمى تلك الأشياء بالصواعد والهوابط ، وهي ساقطة أو معلقة على شكل أنياب من أعلى الدحل ، وبعض الأحيان من أسفل الدحل ، وهذه تتكوّن بعد تكوّن الدحل، فعند دخول الماء إلى الدحل على مر الفترات تبقى بعض المياه أعلاه فتجف بعد فترة ، أي أن بيكربونات الكالسيوم الذائبة تتحول بالتبخر إلى كربونات كالسيوم لا تذوب بسبب غاز ثاني أكسيد الكربون ، فتتكون عبر السنين على شكل أعمدة من السقف نحو القاع داخل الدحل ، وأحياناً تثقل نقاط المياه ولا تقوى على التعلق بسقف الدحل فتسقط إلى القاع فيسري عليها ما سرى على النقاط المعلقة بالسقف . أضف إلى أنه عند الوصول إلى نهاية الدحل أو ماك ضيق فيه يلاحظ وجود كومة من الرمل الناعم وهذا تفسره عملية نقل مياه الامطار من رواسب رملية إلى داخل الدحل ، وفي بعض الأحيان كثرة الترسيب تساعد في إغلاق أو طمر الدحل.
الدحول والسياحة
كيف يمكننا الاستفادة من هذه الدحول ؟
يقدر علماء الجيولوجيا والباحثون والمهتمون في هذا المجال اهمية مثل هذه التكوينات والمعالم ، فالدحول لها قيمة كبيرة علمياً لأنها لم تكن وليدة الحاضر وإن لم تكن مشاهدة للعيان في وقت متأخر ، أعني أنها تكونت عبر حقب من السنين الطويلة وفي ظروف مناخية وتكوينات جيولوجية خاصة ، لذا فهي تتيح للدارسين والمهتمين معرفة التكوين الطبقي والصخري ، كما أن ما يوجد بداخلها من أشجار أو بقايا عظام يتيح للدارسين معرفة مدلولات الموجودات وأعمارها والحقب التي عاشت فيها .
كما أن لهذه الدحول أهمية كبرى فيما لو تم استغلالها في السياحة إذ تحوي المنطقة التي تحتضن الدحول العديد من المعالم الطبيعية كالكثبان الرملية والقيعان والأودية ، والتي تكتسي بألوان الطبيعة الزاهية في موسم الربيع ، يقصدها عشاق التنزه الخلوي .