كيف يستطيع الإنسان العلمي والمتحضر أن يرجح رأياً على رأي آخر إذا كان أمامه رأيان متضادان؟. التجربة خير برهان؛ فالرأي المجرب، والذي أنتج (نتائج إيجابية) هو علمياً أفضل من أي رأي ما زال مجرد فكرة.
إذا اقتنعنا بهذه البديهية فإن (تجربة) الغرب الحضارية وكذلك الشرق، هي التي نعيش في خيراتها، وننهل من إنجازاتها، ونطلب العافية من مكتشفاتها الطبية، ونتعلم على ضوء مناهجها، ونشرب ماء صافياً زلالاً بفضل آلاتها، وتكتسي أجسادنا من منتجات معامل نسيجها، ونتنقل في البر والجو والبحر بفضل مراكبها ومكتشفاتها. هذه حقيقة لا يرفضها إلا من تلوّث بالأيديولوجيا، وأعماه كره الغرب، والحقد عليه، من التعامل مع حياته وما حولها بموضوعية.
هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ كتاباً صدر مؤخراً بعنوان: (المرأة في السعودية. رؤيا عالمية) شارك في إعداده مجموعة من السعوديات وبعض الأجنبيات، يدافعن فيه (في المجمل) عن وضع المرأة السعودية الراهن الذي يُهمش المرأة، ويقذف بها خارج منظومة العمل، ويصادر حقها الإنساني في الحركة، ويتعامل معها وكأنها إنسان من الدرجة الثانية فيما يتعلق بالحقوق.
والكتاب بالمختصر المفيد يحاول أن يقول: (وضع المرأة في المملكة عال العال)، وليس ثمة داع للتغيير أو التطوير!.
الذي استفزني في هذا الكتاب ليس أن هناك من السعوديات من تقبل بوضعها الحقوقي المزري الذي تعيشه في بلادها، وإنما من تعتبر أن هذا الوضع المغرق في سلب الحقوق نابع من الإسلام؛ وبالتالي فإن كل من اختلف مع هذه الرؤية فهو يختلف (بالضرورة) مع الإسلام. وهذا ما يجب أن نقف أمامه، ونفنده، لأن تاريخ المرأة في الإسلام (يكذبه) ولا يتفق معه؛ والتاريخ أمامكم فاقرؤوه.
وبعيداً عن ما جاء في هذا الكتاب، أريد من أي من الأخوات اللواتي دافعن عن وضع المرأة في المملكة، من منطلق أنه وضع مثالي، ونابع من الإسلام، أريد منهن أمرين لا ثالث لهما:
أولهما: أن يقرأن تاريخ الإسلام، وبالذات مجتمع المدينة زمن الرسول والخلفاء الراشدين، والذي كانت فيه المرأة حاضرة وفاعلة ومشاركة في النشاط الاجتماعي والاقتصادي مشاركة كاملة.
ثانيهما: لو افترضنا - جدلاً - أن المرأة في الغرب والشرق، تخلت عن العمل، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، وبقت في المنزل تستهلك ولا تنتج، ومنعت من الحركة والتنقل إلا بوسيط، تماماً كما هو وضع المرأة في المملكة، هل سيظل هذا المجتمع مجتمعاً (منتجاً) ومتفوقاً، وسيحافظ على توازناته الاجتماعية؟
قد يقول قائل ولماذا تضع الغرب أو الشرق معياراً؟. أقول: لأنه الأكثر تفوقاً، ولأن التجربة التي نتعايش معها أثبتت أنها انطلقت بهذه المجتمعات إلى آفاق الحضارة والتطور والاستقرار والرفاهية الاقتصادية، بينما بقينا بعاداتنا وتقاليدنا في قاع التخلف. وإذا كانت (التجربة أكبر برهان)، فلماذا لا نتبعه ونحذو حذوه، ونستلهم منه كيفية الهروب من قاع التخلف؟
وأخيراً أقول: تجربة الغرب وكذلك الشرق، وحضارة الغرب وكذلك الشرق المعاصرة، خير دليل؛ ولن يهز قناعتنا بضرورة الاقتداء بهذه التجربة المعاصرة قول يقال هنا، وآخر يقال هناك، ونحن نرى نتائج تجاربهم بأم أعيننا.