حوار - محمد بن عبد العزيز الفيصل
(جاءت المقولة في مناسبتها دون انتظار، وكل مَن يعيش خمساً وستين سنة، ويكتب خمسةً وستين كتاباً ويحتاج إلى تعريف هو تحفة موضعها الطبيعي في المتحف!)، هكذا ابتدأ معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي الحوار عندما سألته عن عمر الستين، والخمسين كتاباً.
وقد أشار في سياق حديثه إلى كتابه (من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون)، وأوضح أن كليات الشريعة ليست المكان الوحيد لتعلم الشريعة!، وأن كل مَن يقرأ قراءة منهجية عميقة في موضوع ما يصبح اختصاصياً فيه، وأكد أن معلوماته (الشرعية) تفوق معلومات المتخصصين فيها.
وبين معاليه خلال حديثه في الجزء الأول أن جميع الألقاب التي حصدها، وتوجت مسيرته العلمية والعملية ليست سوى ألقاب عابرة ووظائف زائلة، وإن كان لا بد من اختيار فيطمع أن يذكر الناس الشاعر.
وفي هذا الجزء الثاني تستكمل (مسيرة) هذا الأسبوع مشوارها الثقافي والحواري مع (شيفرة النجاح) معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي، في حوار للتاريخ، فإلى نص الحوار:
* من أقوالكم المأثورة: (قم للمعلم وفه التبجيلا وحاول زيادة راتبه)، لو عُينتم وزيراً للتربية والتعليم فهل ستسعون إلى زيادة رواتب المعلمين؟
- لو فوجئت بكابوس كهذا، وكانت لدي سلطات هتلر ممزوجة بصلاحيات قراقوش، لفصلت نصف المدرسين غير الصالحين، وضاعفت رواتب الصالحين. قلت إن هذا مجرد كابوس فلا تجعله عنواناً رئيسياً!
إطراء
*... ومنها: (دع عنك لومي وهات ما لديك من إطراء)، هل ما زال غازي القصيبي يحتاج إلى إطراء؟
- كل ما قلته في أقوالي غير المأثورة من قبيل السخرية من النفس غالباً، وإذا كنت تأخذه مأخذ الجد فسوف أتساءل عن مدى فهمك لما تقرأ!
النقاد والقمل..!
* في أكثر من موضع أبديتم تذمراً من النقاد.. (القمل والنقاد والحلاقون يعيشون من رؤوس الآخرين)، (أكثر ما يزعج النقاد أنهم بخلاف منقوديهم لا يتحولون إلى نجوم)، (الشعبية بين القراء أقرب الطرق إلى عداوة النقاد).. هل لدى غازي القصيبي مشكلة مع النقد والنقاد، في حين يعتبره البعض واحداً منهم؟
- هذه كلها أقوال ساخرة، ومَن عامل السخرية كما يعامل الكتابة الجادة ينتهي بموقف لا يحسد عليه مثل موقفك يا عزيزي. لا توجد لدي مشكلة مع النقاد، ولكني أداعبهم كما يداعبونني، البادئ أظلم!
المتنبي والإعجاب
* كثيراً ما يستشهد معاليكم بشعر أبي الطيب المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس، فما سر هذا الإعجاب؟ أقصد أنني أريد أن أسمعه منكم.
- اسمعه مني مباشرة وبلا وسطاء: سر عبقرية المتنبي أنه استطاع أولاً أن يسبر أغوار النفس البشرية عموماً وإجمالاً، واستطاع ثانياً - وهذا سر عشق العرب له - أن ينفد إلى أعمق أعماق النفس العربية تحديداً.
خارطة الفشل والنجاح
* ما موقع الفشل من خارطة حياة غازي القصيبي؟
- الفشل هو نجاح يتشكل، والنجاح هو فشل يتخلق، ولكل من الفشل والنجاح نصف الخارطة.
تمنيت أن ألتقي ب..
* شخصية تاريخية تمنيتم أن تلتقون بها؟
- عمنا الكبير الجاحظ، وعمنا الصغير الحجاج (من بعيد.. رجاءً)، وعمتنا الحلوة الولادة التي تمكن عاشقها من صحن خدها! ولا بأس من حوار عابر مع نابليون.
مياه
* قاد د. غازي القصيبي وزارتي (الصناعة والكهرباء) و(الصحة) إلى نجاحات لافتة شكلتها وجهة نظر العامة وأقلام الصحافة.. ولكن لماذا لم تتكرر هذه (السمفونية) السابقة في وزارتي المياه والعمل؟
- لم يطل مكثي في وزارة المياه، وبدأت فيها عملاً أعتبره من أهم الأعمال التي قمت بها في حياتي: بدأ العمل في الخطة الوطنية للمياه. أما في وزارة العمل فسيبدو النجاح بعد رحيلي عن المسرح.. بسنوات!.
لو لم أكن؟!
* لو لم تكن الأديب الشاعر والوزير والسفير.. ماذا تمنيت أن تكون؟
- شرلوك هولمز أو أرسين لوبين.
الحمد لله
* هل تريد أكثر من ذلك؟
- حققت أكثر مما تمنيت، والحمد لله من قبل ومن بعد.
طلبتي المنافقون!؟
* هل سيعود غازي القصيبي إلى قاعات التدريس يوماً؟
- لِمَ لا؟ يقول طلبتي المنافقون إنني كنت مدرساً جيداً.
مجاملات
* إلى أي مدى يسمح معاليكم للمجاملات بالتدخل في عمله؟ وهل توجد لها فرصة في حياتكم الخاصة..؟ ألستم مَن قال: (دع عنك لومي وهات ما لديك من إطراء)؟
- يا أخي! دع عنك القول غير المأثور، ولا تفهم منه ما ليس فيه. في حقيقة الأمر أنا أكره الإطراء، كما أكتشف كل من حاول إطرائي. وللمجاملات دور صغير في عملي وحياتي الخاصة، أصغر من دورها في أي إنسان آخر أعرفه.
قمة القمم
* يبدو أن (العصا السحرية) عصا القمة لم تكن موجودة في القمة العربية الأخيرة فغابت كعادتها في القمم السابقة؛ فسيطرت على القمة أجواء من الشحن والغضب الشديد؛ ما أدى إلى خروجها بنتائج محزنة اعتدنا عليها.. فهل تتوقعون تحسن مستوى الجامعة في المستقبل؟
- { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ولا أرى حولي سوى الأنفس نفسها لا تتغير ولا تتبدل.
شياطين
* هل يؤمن القصيبي بشياطين الشعر؟
- نعم بشرط أن نفسر (الشياطين) تفسيراً واسعاً يشمل كل من يلهم وكل ما يلهم الشعر.
المعلم الناجح
* في إحدى محاضراتكم ذكرتم أن للمعلم الناجح أربع صفات لا تفارقه ولا يفارقها: عشق المادة، محبة الطلاب، القدرة على التواصل، التسامح الفكري.. أيظن معاليكم أن هذه الصفات لا تزال موجودة في معلمينا الآن؟
- لا أحب إطلاق الأحكام جزافاً؛ يتطلب الأمر دراسة علمية منهجية قبل الوصول إلى إجابة.
صعبة؟!
*.. مما أشرتم إليه أيضاً في محاضرة (مدرسون في حياتي) أن التعليم موهبة، وأن المدرس الناجح كالشاعر الناجح، والمدرس الموهوب كالشاعر الموهوب.. وتمنيتم أن يتمكن خبراء التربية من تطوير آلية - وهي ليست مستحيلة - قد تتمكن من اكتشاف الخصائص الأربع في مدرسي المستقبل وتستطيع أن تبيّن غيابها.. هل هذه العملية صعبة لهذه الدرجة حتى تكون أمنية؟!
- نعم صعبة جداً جداً!
أكثرها مبيعاً
* ما أكثر رواياتكم مبيعاً شقة الحرية أم العصفورية أم دنسكو أم الجنية.. أم غيرها؟ وهل كثرة المبيع تعبر بالضرورة عن الأفضلية في نظركم؟
- (شقة الحرية) أكثر رواياتي رواجاً، ولا علاقة بين كثرة البيع وجودة الإنتاج؛ كانت روايات إحسان عبدالقدوس تفوق روايات نجيب محفوظ توزيعاً.. فتأمل!
زمن الرواية
* هذا زمن الرواية بدليل حجم المبيعات لها التي فاقت دواوين الشعر في معارض الكتاب.. هل أنتم مع هذه الحقيقة؟ وهل سبب تحولك الملحوظ إلى الرواية هو مجاراة للمد ومتطلبات السوق؟
- كلمة (زمن) كبيرة بعض الشيء، ربما كانت هذه الأيام تشهد (موضة الرواية)، أما عني فما لي ومتطلبات السوق وأنا لا أجني من كتبي سوى دراهم معدودة تذهب بحمد الله للأعمال الخيرية؟!
بين الرواية والشعر
* هل الرواية أقدر على التعبير عن الهموم والمعاناة من مثالية القصيدة وخيالاتها؟
- خذ عني الفرق بين الشعر والرواية واكتف به: الشعر شيفرة، والرواية مذكرة، الشعر تلميح، والرواية تصريح، الشعر ومضة، والرواية نور كاشف، الشعر موسيقى، والرواية كلام، الشعر ترف لعقول الخاصة، والرواية طعام دسم لعقول العامة.
سطحي
* الرواية هي المعبر الحقيقي لأبناء المجتمعات المتحضرة والمتمدنة، فيما يبقى الشعر المعبر عن هموم المجتمعات البدائية.. ما رأيكم؟
- رأيي أن هذا قول سطحي جداً.
ديوان العرب
* هل يمكن أن تصبح الرواية هي (ديوان العرب) عوضاً عن تسيّد الشعر لهذه المقولة السابقة؟
- لا؛ النفس العربية في أعمق أعماقها ملتصقة بالشعر التصاقاً لا يمكن فصله حتى بواسطة صديقنا النابغة الدكتور عبدالله الربيعة.
خطف
* شاعر أو شاعرة، تمكن من خطف إعجابكم من الجيل الجديد محلياً أو عربياً؟
- أعتقد أن أشجان هندي هي حالياً الشاعرة الأولى لا في المملكة فحسب، بل في الوطن العربي كله.
سيكون لهذه الرواية مستقبل
*.. روائياً أيضاً من الذي شدكم عمله وأجبركم على قراءته؟
- يحيى امقاسم و(ساق الغراب)، أتوقع لهذا الروائي أن يصبح في السنوات القادمة نجماً يبهر العيون.. والنقاد!
خدمة
* عَلَمٌ في الشعر والرواية والكتابة، وبالتالي فأنتم بلا شك مستهدفون بالإهداءات من الإصدارات.. فهل تجدون الوقت لقراءة ما يردكم.. أم تحيلونها إلى مكتبكم ليعمل لبعضها تلخيصاً يمكنكم من خلاله معرفة الإصدار؟
- مكتبي سخر لخدمة الجمهور لا لخدمة هواياتي، وما يصلني من كتب يحظى باهتمام شخصي يطول إذا كان العمل جيداً ويقصر إذا كان تافهاً، وكثيراً ما يقصر.
لا أرتاد معارض الكتاب
* هل ترتادون المكتبات ومعارض الكتاب؟ متى؟.. وأين؟.. وماذا تقتنون منها؟
- لا أرتاد معارض الكتب لأني بطبيعتي أنفر من الزحام والجموع، وأزور المكتبات بين الحين والحين، دون مواعيد محددة، وأعود منها بما يسترعي انتباهي في هذا المجال أو ذاك.
حق النشر وحق النقد
* هل يطلع معاليكم على كل ما يكتب عنكم؟.. وما مدى رضاكم عنه؟
- أطلع على كل ما يكتب عني فيما يتعلق بعملي؛ لأن هذا جزء لا يتجزأ من واجبي، كما أطلع على معظم ما يكتب عن الشاعر والروائي. رضائي أو سخطي لا يهم، وما دمت أعطيت نفسي حق النشر فيجب أن أعطي الناس حق التعليق، وأنا أشعر بالامتنان لأن أحداً اقتطع من وقته قسطاً ليكتب عني، ويستوي عندي أن يكون ما جاء قدحاً أو مدحاً، وقد قيل بحق الذم نوع خفي من الإعجاب!
ومن عِلية القوم
* إضافة إلى كونك مبدعاً فإنك وزير ومِن عِلية القوم.. لو لم تكن وزيراً منذ وقت مبكر هل كنت تظن أن إصداراتك وكتاباتك ستجد نفس الحظوة والاهتمام لو كنت موظفاً في المرتبة الثامنة؟
- كيف يمكن الإجابة عن سؤال مثل هذا؟! لو لم تكن صحفياً في الجزيرة هل كنت سأجري حواراً معك؟ الرد في الحالتين: الله أعلم!
رائحة
* فيما يكتب عن مؤلفاتكم هل تستطيع شم رائحة المتزلف ورائحة الناقد المجود ورائحة المتقصد استهدافك؟ وما موقفكم مما يكتب عنكم في مواقع الإنترنت؟
- لا أقرأ ما يكتب عني في الإنترنت إلا حين يتطوع صديق (أو عدو!) بإرسال شيء منه، وما يكتب عني مثلما يكتب عن أي شخصية عامة أو أي شخصية أدبية فيه الغث السمين، والصادق والمتزلف، وهكذا كان أهل الأرض مذ وُجدوا!