والكلام عن الصمت المعشوق لا بد أن يعرج بنا على الكلام الممقوت، ولهذا فلا بد من النظر فيما قيل في كليهما من أقوال مختصرة وبليغة سارت مسار المثل والحكمة.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (أنت سالم ما سكت، وإذا تكلمت فلك أو عليك)، وقول أحدهم: (دواء الغضب الصمت)، وقول سلمان الحكيم: (كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل)، وقول سرفانتس: (الفم المطبق لا يدخله ذباب).
ومن البدهي أن المتطبع بالتزام الصمت أفضل ممن يهذي بما لا يعي ثم يعثر لسانه ويقع فريسة لا يخلصه منها إلا الصمت إن كان للصمت مجالاً في إنقاذه من ورطة لسانه، وقالوا في المثل: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب).
ولقد أطلق الكتاب والشعراء وغيرهم من الفلاسفة وأصحاب الفكر أقلامهم في امتداح الصمت ووصفوه بأنه مصدر أمان لحياة صاحبه، وصفة يمتدح بها ملتزمها، إن الصموت ليفخر بصمته الذي كثيراً ما يحمد عقباه، ومن الشعراء من خاطب صبره وامتدحه، وذلك مثل ما قاله الشاعر المصري محمد طاهر الجبلاوي من قصيدة (الصمت):
أيها الصمت لا شكوتك عمري
كل شيء فعلته محبوب(1)