جدة - صالح الخزمري
حدد معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة وزير الشؤون الاجتماعية السابق العام 1396هـ الموافق نهاية سبتمبر 1976م بداية الحوار مع الآخر حيث بدأت البعثة إلى الولايات المتحدة لدراسة اللغة الإنجليزية في المعهد في جامعة تمبل بولاية بنسيلفينيا في فيلاديلفيا وكان الحوار مع راهبة فيتنامية ومنذ ذلك اليوم الذي وقف فيه مع هذه الراهبة..
وهو يحاور المنصرين من شهود يهوا وغيرهم ويجلس معهم.. ويكون حواراً ينتهي بلا نتيجة في حينها وأضاف د.النملة لكنني لا أحمل هم النتائج بل أحمل هم هذا الحوار حتى في المناسبات التي نخرج بها..كانت النتيجة أن خرج د. النملة بكتاب سماه التنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته ثم أعقب ذلك عدداً من الكتب حول هذا الموضوع بما في ذلك الربط بين الاستشراق والتنصير والبحث في الأدبيات عن مستشرقين منصرين أما العام 1405هـ فكان منعطفاً في حياة النملة عندما سافر إلى ألمانيا الغربية في حينها في فرانكفورت لدراسة ما بعد الشهادة العليا الدكتوراه في معهد العلوم العربية والإسلامية الذي يديره وعززه الأستاذ الدكتور فؤاد سيسكي حيث تعلم في هذا المعهد كثيراً وخالط عدداً من المستشرقين وحاورهم كما حاور المستشرقين من قبلهم وأضاف النملة وكانت مخالطة هؤلاء المستشرقين وحضور المؤتمرات قطعاً فوجدت منهم مثلاً ديفيد كينغ الذي كان يهتم بتحديد المسلمين للقبلة قبل الصلاة بمعادلات حسابية ثم إدوارد كينيدي الذي رسخ حياته لتاريخ العلوم عند المسلمين دون أن يدخل في متاهات دخل فيها مستشرقون فرنسيون ومستشرقون بريطانيون وإيطاليون والنمساويون ومن وفدوا من ما أسميه الغرب الأدنى في المجر وغيرها.. وتعلموا وتتلمذوا على يد المستشرقين الألمان..
أما عن تعرضه للاستشراق الألماني فيقول: إن الذي أدى إلى أن يكون هناك نظرة موضوعية للاستشراق لأن الاستشراق الألماني هو أقرب الاستشراقات إلى الإنصاف وأبعد الاستشراقات عن السياسة وما دخل الاستشراقيون السياسة إلا أفسدتهم وربما أفسدوها وبرنارد لويس ترك التاريخ وترك الفرق وتشبث بالسياسة فأفسد في السياسة كثيراً وأفسدته السياسة كثيراً وتتلمذ عليه أمثال دانيال بايبس وكريمر وغيرهم الذين يكنون للإسلام والمسلمين عداءً معلناً.. ثم أعود إلى شهر ذي القعدة من عام 1396هـ أكتوبر عام 1976م وهمسة أخي وصديقي الذي قال لي: هل بدأت بك يا علي؟ وأبدأ في مرحلة دراسة مفهوم التأثر والتأثير بين الثقافة.. لماذا نحن إخواني وأخواتي نشعر بأنه يؤثر بنا ولا نستطيع أن نؤثر، كلام ليس بالسهل الإجابة عليه لكنه من السهولة إلقاؤه سؤالاً على الجميع فبحثت في مناحي التأثر والتأثير واصطفيت خمسة مؤثرات سريعة جداً وهو الجانب الحضاري والعلاقات الحضارية والمؤثر الثاني البعثات التعليمية والمؤثر الثالث الجالية المسلمة التي سكنت في الغرب الأوسط والأقصى، وأقصد الغرب الأوسط أوروبا الغربية والغرب الأقصى أمريكا، ثم المؤثر الثالث هو المسلمون من أوروبا الغربية من الغرب الأوسط ومن أمريكا الغرب الأقصى أنفسهم.. ويحضرنا مجموعة منهم يشرفني أن يكونوا ضمن حضور هذه الأمسية والمؤثر الخامس والأخير هو الاستشراق، ثم إن هناك مؤثرات كثيرة لكنها ليست ذات بعد ثقافي واضح كما ذكرت التنصير أراد أن يكون مؤثراً فقط في خط واحد دون أن يتأثر وهكذا أريد له لكن كثيراً ليس كثيراً وإنما عدد من المنصرين تأثروا بطريق مباشر أو غير مباشر ومن تأثر بطريق مباشر انتهى به الأمر إلى أن يسلم بدلاً من أن كان يحاول تنصير المسلمين فيعود ليكفر عن أخطائه التي تبين له أنها أخطاء.. فينشغل في الدعوة المباشرة وهذه قضية لها موقف كبير، هذا المؤثر المباشر الذي جعلته هو الخامس في الاستشراق، ركزت على الاستشراق الألماني لأنني أكن للاستشراق الألماني قدراً من القيمة تختلف كثيراً عن الاستشراقات الأخرى، ذلك أن الاستشراق الألماني فضل ألا ينغمس في الاستعمار ولا السياسة لأنه عاش في بيئة لم تكن مستعمرة بوضوح بل إن أحد المستشرقين الكبار عندما جاء مع رومل في معركة العلمين ليترجم له لم يكن قادراً على معرفة اللهجات المحلية في شمال مصر فما استفاد منه رومل وترك وقال: إذا لم تستطع شيئاً فجاوزه ودعه إلى ما تستطيع، المحطة الثالثة أو الرابعة هنا هي أننا بدأنا بخطاب أستطيع أن ألخصه بكلمتين هما جلد الذات، فجلدنا أنفسنا جلداً عجيباً على مستوى مختلف من الصعد، من منبر يوم الجمعة إلى المنابر الإعلامية والصحفية والمرئية، وبدأنا نقتل ذاتنا وليس فقط نجلدها ونقلل من إمكاناتنا ونسيس جميع سلوكياتنا وإنه إذا لم تصلح القمة لن تصلح القاعدة وهذه قضية جدلية لا أستطيع أن أواصل فيها، جلد الذات أنها تلبست فينا فكراً من المؤامرة فبحثت في هاجس المؤامرة في الفكر العربي بين التحصيل والتهويل فوجدت فريقين فريق يحول وأن كل شيء يمر في حياتنا إنما هو مؤامرة، حتى لو رأينا مشروعاً تنموياً في الشارع الآن يعيقنا من الحركة لقلنا أنها مؤامرة من بلدية جدة مثلاً..اقتضى هذا ترتيباً أن نعيد النظر في خطابنا وأن يدعى إلى تجديد الخطاب الإسلامي أو الخطاب العربي أو الخطاب الديني عموماً وهي دعوة يكتنفها شيء من الخطورة لكنها مهمة وجدير بنا أن ننطلق بها دون تردد ما دمنا قد حافظنا على ثوابتنا.
أما الأمور الأخرى ولكي لا ندخل في الفرعيات فالمجال واسع وما نشأ فكر عربي إسلامي سواء أسميناه فلسفة أم لم نسمه إلا أن أسلافنا خاضوا في هذه الفرعيات وعندما بدأ بعضهم يدخل في الثوابت أوقف فريق أو آخر.. هذا الخطاب الذي نحتاج إلى التجديد فيه يحتاج منا إلى أن نتسلح بالعلم فالمسألة ليس مسألة رؤى وأفكار لك أن ترى وأنا أعتقد أو أنا أظن وأنا أرى.. لك أن تعتقد ولك أن تظن ولك أن ترى لكن عندما تكون هناك ثروة علمية قوية من خلالها تنطلق في اعتقادك وفي رؤاك وفي ظنونك.. ظهر خصوصاً في الآونة الأخيرة من بدأ ينظر أو ربما يفتي فاستحضرنا قول ابن دقيق العيد (يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عند) قد يقرأ هذا البيت على أنه تحجيم للتفكير وأنه وأنه لكنه يعاند مسألة كانت قائمة في ذلك الوقت أن كل من هب ودب دخل في الدين بالفتوى ثم الخطاب الذي يراد التجديد فيه يقف في مسألة التشديد على الناس وليس فقط التشدد والإدراك اللغوي يفهم الفرق بين التشديد والتشدد.. أن تشدد على نفسك ما شئت ربنا يلطف بك لكن أن تشدد على الآخرين فهذا أمر قد عشناه وعايشناه وتعبنا منه لكنه بدأ ينقشع بتجديد الخطاب الإسلامي واستحضار لصوص ليست جديدة، فهذا أحد الأئمة في القرن الثاني الهجري يقول: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد..
ولدينا الأمور استحضار للنصوص لكن مع تطويع هذه النصوص مع تطبيقها على الواقع لأنه من السهل أن تستحضر النص لتبين لغيرك أنك تستحضره بقراءة بسعة اطلاع ولكن ليس من السهل أن تتمثله وتحاول أن يتمثله الآخرون فعندما تأتي قضية أصولية بالمفهوم الإسلامي الشرعي للأصولية وتقول: إن مقاصد الأحكام ومصالح الأنام تقف احتراماً لهذه العبارة مقاصد الأحكام مصالح الأنام.. لا يمكن أن يكون هناك حكم شرعي في كتاب أو سنة إلا وتجد من ورائه مصلحة للأنام وليس لفئة قليلة من الأنام.. ليتنا نستحضر هذه العبارة ما ذكر أخواني وأخواتي من حديث اعتز به إنما هو من حسن الظن وإذا كان هناك من إنتاج يسره الله سبحانه وتعالى فهو كما ذكر أخي الكبير من باب حاطب الليل.. وعوتبت عندما قلت هذه العبارة لكنني أنا خير من يحكم على ذاتي.. وبالتالي فالتوليف أو الإعداد أو التأليف لا يعني أن تأتي بجديد ولعلمائنا آراء فيها واستحضر هنا عبارة للشاعر الألماني الكبير يوهان كوتا عندما قال: وأنا لا أدعي هذه العبارة وإنما أقولها لكم قال: (ليس الكتاب الكبار كتاباً كباراً لأنهم أتوا بأشياء لم يؤت بها من قبل وإنما هم كتاب كبار لأنهم أبرزوا الأشياء كما لو أنها تكتب لأول) لدينا أخوان من ألمانيا وربما يعتبان عليّ أن أستشهد بكوتا لكنني مدين لكوتا لأنني درست في معهده في فرانكفورت الألمانية وحاولت أن أتخاطب بهذا وهو الذي يقول: (إن لكن الإسلام معناه القنوت فعلى الإسلام نحيى ونموت) من جانبه أوضح معالي الدكتور محمد عبده يماني أن ليلة الاحتفاء بالدكتور النملة ذات خصوصية خصوصاً بالنسبة لنا في الاثنينية ذلك أن تكريم هذا الضيف العزيز علينا جميعاً هو الدكتور علي بن إبراهيم النملة هذا الرجل تميز بتقوى الله ففتح الله له أبواب العلم والخبرة، حرص على أن يكون أميناً في كل ما يكتب حتى عندما كتب عن الاستشراق فكان أميناً في نقل الصور الدقيقة قبل أن ينقدها وبالتالي قدم صوراً واضحة للشباب عن الاستشراق ولم يجامل أي من المستشرقين ولكن كان واضحاً أن للاستشراق أهداف قبلنا أم رفضنا هذا، في الوقت نفسه سرني الأسلوب الراقي الذي يجمع إليه في كتاباته والذي تحس فيه أنه يأخذ من معين عميق يتخذ من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولذلك تجد فيه كلاماً مقبولاً يدخل إلى النفس والعقل ويملك الوجدان لأنه يتكلم بصدق وأمانة وموضوعية، لكن الحقيقة هذا الرجل أيضاً عندما تلاحظ عدد الكتب التي استطاع أن يطرحها تحس أنه رجل تفرغ لهذا العمل بصورة جعلته يبحث يقرأ ويكتب ويضحي بكل شيء في سبيل هذا العمل الطيب فأخرج هذا العمل الطيب وسرني في كتابه الموضوع، الثقافات التي كتبها أو ما سماه ثقافة العبث، أنا أعتقد أن معالي الدكتور النملة عندما أنيطت به مسؤوليات أخذته الوظيفة ويضطر مرغماً إلى أن ينشغل بها إلا أنه انتصر على الوظيفة رغم أنها من أصعب الوظائف التي تناط بإنسان لأنها لها صلة بقضايا جوهرية اجتماعية وعمالية وحياة الأمة فخرج كريماً مرفوع الرأس لم يشكو منه أحد وإنما أشفق الناس عليه من كثرة الزحمة التي كانت من حوله ولكنه كان يحسن الاستشارة ويصل إلى الناس ويتواصل معهم ولهذا عندما جاء الليلة فرحنا بهذا اللقاء وأنا شخصياً فرحت به لأني أعرف أن الدكتور النملة من الرجال الذين أتمنى أن نعرف عمق تفكير هذا الإنسان وقدرته للوصول إلى الطرف الآخر، ونحن في هذا الزمن الذي نصطنع فيه قضية الحوار وبالذات في المملكة العربية السعودية، نحاور أو لا نحاور نقاطع أو لا نقاطع.
تأتي كتب الدكتور وتوضح أن هذه القضية ليست جديدة وأنها قضية أزلية سبقت بالاستشراق وهم حاورونا أفلا نحاورهم أفلا نعلمهم ما لدينا من قيم سامية وعالية، هو سبقنا في هذا المضمار وجاء الدور علينا أن نكمل هذا المشوار، لأننا كلما تجولنا في العالم والله نخجل أن العالم لا يعرف عنا في زمن العولمة وزمن الثورة التقنية وثورة الاتصالات.
لا نصل إلى الناس ولا أحد يعرف ما هو القرآن ومن هو محمد صلى الله عليه وسلم نتكلم عن بترولنا وعن ثرواتنا وعن صناعاتنا والناس لا تعرف عنا فلا نلومها إذا لم تعرفنا لأننا قصرنا وخطبنا ومواعظنا لا تصل إلى هؤلاء الناس ولابد أن نصل إليهم في عقر دارهم كما وصلوا إلينا، هذا هو الاستشراق رضيتم أو أبيتم فكر مجموعة من هؤلاء الرجال أنصفوا وتكلموا بموضوعية ورجال انطلقوا من منطلقات من الأساس يؤمنوا بها قبلتم أو لم تقبلوا، وأنا بهذه المناسبة أرحب بالأديب والصديق والإنسان أخي الدكتور النملة وأسأل الله أن يبارك له في جهده حتى يواصل هذا العطاء إن شاء الله وجزاكم الله عنا كل خير.
وفي كلمة الدكتور عبدالله مناع أشاد بالدكتور النملة وإنجازاته عندما كان وزيراً في العمل والشؤون الاجتماعية وعندما انفصلت الوزارتان كل وزارة على حدة أصبح وزيراً للشؤون الاجتماعية مؤسس الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة أشاد بالنملة وبما قدمه للوطن وبنجاح حواره مع الآخر.