يتجه الناخبون الإيرلنديون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء برأيهم في معاهدة لشبونة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وهي الأداة التي صممها الاتحاد الأوروبي للعمل على تحسين فعالية وشرعية الكتلة التي أصبحت الآن تتألف من 27 عضواً. إن إيرلندا البلد الوحيد الذي يطرح المعاهدة للاستفتاء، حيث اختارت كافة البلدان الأعضاء الأخرى التصديق على المعاهدة عن طريق البرلمان - وكل المؤشرات تؤكّد أن النتيجة سوف تكون متقاربة.
والمجازفة هنا بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء بريان كوين الجديدة تتلخص في أن التصويت برفض معاهدة لشبونة من شأنه أن يصيب إدارته الوليدة بالشلل. أما عن الاتحاد الأوروبي فإن رفض الإيرلنديين للمعاهدة سوف يؤدي على الأرجح إلى فترة مطوَّلة من عدم الاستقرار، بل ربما التوقف التام لعملية التكامل الأوروبي في هيئتها الحالية.
في العام 2001 رفض الإيرلنديون معاهدة نيس، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى فترة مطوَّلة من الأزمات ومراجعة الذات، وهي الفترة التي لم تنته إلا بالاتفاق على ما أطلِق عليه المعاهدة الدستورية في العام 2005، والتي سرعان ما رفضها الفرنسيون والهولنديون، فعادت المفاوضات إلى نقطة البداية. والآن، بعد فترة عصيبة من التفكير والمساومات، فقد تُصبِح هذه الجهود عُرضة للخطر من جديد.
كانت حملة الرفض في غاية القوة والنشاط، وتولى قيادتها طاقم متعدد الانتماءات، من الماركسيين الناضجين، ورافضي العولمة، والمتشككين التقليديين، والمهووسين بالسيادة. ولقد سعى القائمون على هذه الحملة إلى استغلال الفراغ المعرفي في إيرلندا فيما يتصل بشئون الاتحاد الأوروبي وتأخر المعسكر المؤيّد نسبياً في تعبئة جهود الدعم.
لقد تعرض الناخبون لوابل من المزاعم العجيبة: ومنها أن المعاهدة سوف تفرض على إيرلندا إباحة الإجهاض (الذي يُعَد جريمة طبقاً للدستور الإيرلندي)، وترفع ضريبة الشركات المنخفضة في إيرلندا، وتشكل جيشاً أوروبياً يجعل الصبية الإيرلنديين يعودون إلى ديارهم في توابيت. وحتى الأداء البائس الذي قدمه المغنون الإيرلنديون في مسابقة يوروفيشن للأغنية تحول إلى أداة لتعزيز الرسالة التالية: (لم يصوتوا لصالحنا، فما الذي يدفعنا إلى التصويت لصالحهم؟).
رغم سهولة تفنيد هذه المزاعم، إلا أن الجانب المؤيّد كان عاجزاً عن تزويد الناخبين بالأسباب التي قد تدفعهم إلى التصويت لصالح المعاهدة. فضلاً عن ذلك فقد تمكن الجانب الرافض من الربط بين الاتحاد الأوروبي وارتفاع أسعار الوقود والغذاء مع اقتراب الحملة من نهايتها.
ثمة احتمالان من المرجح أن يقررا نتيجة الاستفتاء: الأول، حجم الإقبال على صناديق الاقتراع، والثاني أصوات المزارعين.
وتؤكد استطلاعات الرأي حالياً أن معسكر المؤيّدين يتقدم على معسكر الرافضين بنسبة اثنين إلى واحد (35% في مقابل 18%). إلا أن أنصار أوروبا لا يطمئنون كثيراً إلى هذه الأرقام: فقد أظهرت استطلاعات الرأي قبل الاستفتاء على معاهدة نيس في العام 2001 أغلبية موافقة أضخم عند نفس المرحلة. والآن، تماماً كما كانت الحال آنذاك، يبدو أصحاب الرأي الرافض أكثر التزاماً. وما زالت نسبة من لم يقرروا بعد القبول أو الرفض مرتفعة للغاية، حيث إن 47% لم يحسموا أمرهم حتى الآن، وهذا يعني أن كل شيء ممكن أثناء الأيام الأخيرة من الحملة.
سوف يشكل مستوى إقبال الناخبين أهمية حاسمة.
ففي العام 2001 خسر جانب (المؤيّدين) بسبب الفشل في إقناع العدد الكافي من الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع - فقد امتنع ثلثا الناخبين تقريباً عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وفي العام 2002 عُقِد استفتاء ثان فجاءت نتائجه معاكسة للاستفتاء الذي سبقه وكان الفوز للجانب المؤيد. نستطيع أن نفسر هذا التحول جزئياً بنجاح الحكومة في إقناع العدد الكافي من الناخبين بالانتقال من الامتناع عن التصويت إلى معسكر المؤيّدين (رغم أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع لم تتجاوز 50% من جمهور الناخبين). كل هذا يشير إلى أنه كلما ارتفعت نسبة الإقبال على التصويت كانت احتمالات الموافقة أعظم. كانت الحملة بالنسبة للمزارعين الإيرلنديين بمثابة فرصة ذهبية لشن هجوم تكتيكي على بروكسل. فقد سعوا إلى الربط بين المعاهدة وجولة الدوحة الحالية من محادثات منظمة التجارة العالمية.
حتى إن بيتر مندلسون المفوّض التجاري للاتحاد الأوروبي أظهِر بصورة متكررة باعتباره عدو الشعب الأول بسبب اقتراحاته بتخفيض بعض التعريفات الزراعية بنسب تصل إلى 70%.
هددت المنظمات الزراعية بسحب تأييدها للمعاهدة ما لم تهدد الحكومة باستخدام حق النقض في رفض مقترحات مندلسون.
ورغم أن اتحاد المزارعين الإيرلنديين حث أعضاءه الذين يبلغ عددهم 85 ألفاً على تأييد المعاهدة في مرحلة متأخرة، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن المزارعين الإيرلنديين يعارضون لشبونة بأغلبية اثنين إلى واحد. وقد يكون لأصوات المزارعين أهمية حاسمة في تغليب صوت أي من الجانبين.
إذا ما نظرنا إلى الأمر من الخارج فقد يبدو لنا أنه من الحماقة أن يرفض الناخبون الإيرلنديون معاهدة لشبونة، إذ إن إيرلندا قد استفادت أكثر من أي دولة أخرى من عملية التكامل الأوروبي، حيث جمعت ما يقرب من ستين مليار يورو في هيئة معونات أثناء سنوات عضويتها الخمس والثلاثين. ولكن في سياق آخر، حيث يظل الاتحاد الأوروبي بعيداً تمام البعد عن المواطنين وحيث تتسم حملة الاستفتاء بعدم المبالاة وإثارة الحيرة والاضطراب، فقد نجح معسكر الرفض في صياغة رسالته البارعة التي صورت أوروبا باعتبارها تهديداً لفرص العمل والاستثمار والسيادة الإيرلندية.
ويبدو أن إيرلندا، التي كانت دوماً واحدة من البقاع المضيئة في الاتحاد الأوروبي، سوف تشكل في الأيام القادمة مصدراً لقدر عظيم من القلق واللهفة.
* مدير مركز دراسات أوروبا الموسَّعة www.widereurope.ie
ومحاضر في السياسات الأوروبية والمجتمع الأوروبي - ماينوث - إيرلندا - (خاص بالجزيرة)