دبي - الدوحة - (رويترز)
عقد محافظو البنوك المركزية في دول الخليج العربية اجتماعاً استثنائياً أمس الاثنين بالعاصمة القطرية الدوحة لتقريب وجهات النظر بشأن مشروع الوحدة النقدية الإقليمية في ظل ارتفاع التضخم الذي يهدد بوضع عراقيل إضافية في وجه مشروع العملة الموحدة وسط شكوك في إمكانية الالتزام بموعد نهائي مقرر في عام 2010، ولدرء تكهنات بأن بعض دول المنطقة قد تلجأ إلى إصلاحات نقدية منفردة تتعلق بفك ربط عملاتها بالدولار. وقرر المحافظون الذين عادة ما يجتمعون مرتين كل عام عقد اجتماع استثنائي في يونيو في محاولة لإزالة العقبات أمام مشروع العملة الموحدة التي اضطربت بعد أن قررت عمان في عام 2006 عدم الاشتراك في المشروع، وبعد أن تخلت الكويت عن ربط عملتها بالدولار في مايو أيار عام 2007م.
وقال سلطان ناصر السويدي محافظ البنك المركزي بدولة الإمارات العربية المتحدة في تصريحات نشرتها صحف منها جلف نيوز أمس الاثنين: إن التضخم يهدد بتأجيل مشروع العملة الموحدة، ويؤدي إلى خلافات في الرأي بشأن إطلاق المشروع.
وأضاف السويدي (معدلات التضخم المرتفعة لم تكن قط مصدر قلق من قبل، وعلى الرغم من أنها ظاهرة مؤقتة حتى الآن فإنها بالفعل العامل وراء الخلافات في الرأي في هذه المرحلة، ويمكن أن تؤجل إصدار العملة الموحدة إلى ما بعد 2010م).
وبلغ التضخم معدلات قياسية أو اقتربت من القياسية في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم؛ حيث تربط أغلب الدول عملاتها بالدولار الأمريكي المتداعي؛ ما يدفع تكاليف الواردات للارتفاع. واضطر ربط العملات الخليجية بالدولار دول الخليج إلى اتباع خطى تخفيضات الفائدة الأمريكية رغم ازدهار اقتصاداتها مع ارتفاع أسعار النفط إلى ستة أمثالها في ست سنوات.
وقال السويدي لجلف نيوز إن دول الخليج (تعمل حالياً على إعادة ترتيب أولوياتها طبقاً للظروف الجديدة). وبلغ معدل التضخم السنوي أعلى مستوياته في نحو 30 عاماً في السعودية إلى 10.5% في أبريل - نيسان، وارتفع إلى 14.75% في قطر في الربع الأول من هذا العام.
ونقل عن السويدي قوله (الإطار الزمني يعتمد على الظروف والتطورات الأخيرة؛ حيث نجد تغييرات هيكلية، بالإضافة إلى التضخم المتزايد). ومعدل تضخم لا يزيد بأكثر من اثنين بالمئة عن المتوسط الإقليمي كان ضمن المعايير المتفق عليها بين الدول الست للوحدة التي تصمم على غرار الوحدة النقدية الأوروبية.
ويهدد تسارع أسعار النفط باتجاه 150 دولاراً للبرميل بدفع معدلات التضخم في دول الخليج العربية إلى مستويات قياسية مرتفعة جديدة؛ حيث يمنع ربط العملات بالدولار الأمريكي الضعيف منتجي الخام من امتصاص فائض السيولة. وقفز سعر النفط نحو تسعة بالمئة ليصل إلى مستوى قياسي عندما سجل 139 دولاراً للبرميل يوم الجمعة، وقد يتجاوز 150 دولاراً في أقل من شهر، وسط ما قال بنك الاستثمار مورجان ستانلي الأسبوع الماضي إنه طلب قوي في آسيا؛ الأمر الذي يوقد شرارة تباطؤ في شحنات الخام إلى الولايات المتحدة.
وبالنسبة للسعودية ودول الخليج العربية الخمس الأخرى التي تشكل معاً أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم فإن إيرادات النفط الفلكية قد تقود الإنفاق العام مغذية المعروض النقدي ومؤججة التضخم في اقتصادات تضاعف حجمها في الفترة من 2002 إلى 2006م.
وقال ماريوس ماراثفتس مدير أبحاث المنطقة لدى بنك ستاندرد تشارترد (كل صدمات ارتفاع أسعار النفط يستوعبها الاقتصاد الحقيقي بدلا من سعر الصرف أو أسعار الفائدة.. الأسعار لا تبدي بادرة تباطؤ). وبلغ معدل التضخم في المملكة (أكبر بلد مصدر للنفط في العالم) ذروته فيما لا يقل عن 30 عاماً عندما سجل 10.5% على أساس سنوي في أبريل - نيسان، في حين شهدت قطر (أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم) ارتفاع الأسعار إلى معدل سنوي بلغ 14.75 بالمئة في الربع الأول من العام.
وأظهر مسح لرويترز الشهر الماضي أن الأسعار سترتفع في المتوسط بنسبة تسعة بالمئة في معظم دول الخليج هذا العام مع صعود الإيجارات وأسعار السلع. لكن محللين يقولون إن التضخم لا يرجع إلى ارتفاع أسعار النفط فحسب؛ فهناك منتجو نفط عالميون آخرون مثل كندا والنرويج يتمتعون بمعدلات تضخم منخفضة، فيما يرجع بدرجة كبيرة إلى ارتفاع عملاتهم مقابل الدولار الذي تراجع نحو 20% أمام اليورو منذ مطلع العام 2007م.
وقال بول جامبل مدير الأبحاث لدى بنك الاستثمار السعودي جدوى للاستثمار (ارتفاع أسعار النفط يشجع الحكومات على إنفاق المزيد من المال بالنظر إلى قيود الطاقات في المنطقة. من شأن هذا أن يدفع سعر الصرف للارتفاع ويخفف تأثير التضخم).
وأضاف جامبل أن الإيجارات وأسعار الغذاء، وهما المحركان الرئيسيان للتضخم، سيبدآن بالانحسار لكن نمو المعروض النقدي سيواصل دفع التضخم في الخليج لثلاث إلى أربع سنوات على الأقل. وقال (التضخم ينتقل إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد من خلال السيولة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية). وقال صناع السياسات الخليجيون مراراً إنهم لن يقتدوا بالكويت التي قطعت ربط عملتها بالدولار منذ أكثر من عام لأسباب منها كبح التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات.
وكانت البلدان التي تجهز لوحدة نقدية اتفقت على إبقاء ربط عملاتها بالدولار لحين طرح العملة الخليجية الموحدة في 2010م. وفي غضون ذلك يقول جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي البريطاني (ساب) التابع لبنك إتش.إس.بي.سي إن تأثير سعر 150 دولاراً لبرميل النفط على التضخم في المنطقة قد لا يكون فورياً إذا باشرت الحكومات خططاً لكبح جماح الإنفاق.