تزاملنا في جامعة الملك سعود في أوائل الستينات الميلادية من القرن الماضي، كان يدرس علم الاجتماع في كلية الآداب، وكنت أدرس المحاسبة وإدارة الأعمال في كلية التجارة التي افتتحت للتو، وكانت هذه الكلية تتقاسم الإدارة وقاعات الدرس مع كلية الآداب، كما يتقاسم طلابها مع طلاب الآداب والعلوم والصيدلة المبنى السكني الوحيد القائم آنذاك على شارع الجامعة، ولم يتجاوز عدد طلاب الجامعة التي لم يمض على إنشائها أكثر من ثلاث سنوات عن مائتي طالب تقريباً مما أضفى جواً من الألفة والتقارب والحميمية ليس فقط بين طلاب الكلية الواحدة، بل بين جميع طلاب الجامعة الذين قدموا من أطراف المملكة ليلتحقوا بها وليعيشوا تحت سقف واحد يؤازر بعضهم بعضاً وكأنهم أسرة واحدة.
هكذا التقيته - رحمه الله - من خلال مجموعات التغذية السكنية التي كنا نشترك فيها، لم تكن هناك مطاعم قريبة أو مقاصف سوى صاحب دكان صغير (صندقة) يمدنا ببعض المعلبات والمثلجات في حالات الطوارئ، مما استوجب تشكيل مجموعة غذائية تتكون من (10) إلى (15) طالباً يتولى أحدهم تجميع الاشتراكات الشهرية (100-120 ريال عن كل فرد) تمثل ميزانية المجموعة للإنفاق منها على لوازم تحضير الطعام والطبخ وأعداد الوجبات والإشراف عليها ثم في نهاية كل شهر يحاسب حساباً عسيراً من قبل زملائه عن كل قرش انفق وفيما أنفق، كانت رئاسة كل مجموعة دورية وفرصة للتدريب على قيادة المجموعة وتحمل المسؤولية وقبول تقييم الزملاء بصدر رحب.
لم يكن في مبنى السكن مكان للتجمع سوى الغرف الكبيرة التي تميز بها البعض منا لسبقهم في الالتحاق أو في الردهات أو الممرات حيث كنا نقف في أوقات الفراغ بالساعات نتجاذب أطراف الحديث للترويج بين فترات الدراسة أو الاستذكار، هكذا كانت بداية معرفتي به عن قرب رحمه الله، دمث الخلق، طيب المعشر، عذب الحديث، عاشق ومأسور بحماية اللغة العربية وإن لم تكن تخصصه، دقيق التعبير، عطر اللسان مع كل من يتعامل معه أو يخصه بثناء فيكون إجابته على الفور (تشكر)، يكثر من استخدامها حتى أطلق عليه زملاؤه على سبيل الدعابة اسم (صالح تشكر) تأكيداً على أنه شكور قنوع بما قسم الله له من نعم أو أفاء عليه من خير صابراً محتسباً لما تحمل له الأيام.
تخرجنا من الجامعة عام 1963م، وفارقت بيننا دروب الحياة ثم تزاملنا مرة أخرى في مجلس الشورى في دورتيه الثانية والثالثة ولفترة ثمان سنوات (1418-1426هـ تم خلالها تعينه أميناً عاماً للمجلس فوجدته وقد صقلته التجارب، وعمقت علمه وخبرته مواقع المسؤولية العديدة التي مر بها، فكان حريصاً على أداء واجباته بإتقان، دقيقاً في مواعيده، مشرفاً على أدق التفاصيل في إدارة أمانة المجلس، وبالأخص حرصه الشديد على حماية وصيانة اللغة وتصحيح ما يقع فيه بعض الأعضاء من أخطاء لغوية أو نحوية أثناء مداخلاتهم، أو عرض مذكراتهم، ولعل ما أعتز به واحتفظ به إلى اليوم ملاحظته الإملائية المميزة (المرفقة) التي خصني بها رحمه الله ومررها إليّ في إحدى جلسات المجلس تصحيحاً لبخسي الياء الشامية من نقطتيها في نهاية اسمي، كانت هذه في رأيه هفوة لا تغتفر واجبة التصحيح.
رحمك الله يا أبا هشام رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، نعم لقد شكرت الله طوال حياتك فألهمك الصبر على ما قدر لك من محن كان آخرها معاناتك من مرض عضال لازمك أكثر من عام جعله الله لك طهوراً ونوراً تسير به في جنات الفردوس، وسوف نظل نذكر طيبة معشرك، ومثالية تعاملك، ورقي أخلاقك حتى نلحق بك، وألهم الله أهلك وأبناءك وذويك الصبر على فراقك.
إنا لله وإنا إليه راجعون,,,
عضو مجلس الشورى سابقاً