في بيت الله الحرام عادت الأمور إلى مادتها الأولى، واغتسل الإسلام بماء الحوار الإنساني المنزه عن جميع ما علق به عبر الدهور من أثواب ثقيلة، وطبقات سميكة، وأعراف متواترة، ولي لأعناق النصوص لخدمة السياسة.
عاد الإسلام يتجوهر في البيت الحرام مسترجعا لغته الفطرية الأولى القادمة من ينابيع الأديان جميعها الساعية إلى المحبة والعدالة والمساواة.
نداء مكة الذي انطلق يوم الجمعة بعد اختتام أعمال مؤتمر الحوار الإسلامي، إنما هو حدث تاريخي يمثل واجهة مضيئة لحقبة الإصلاح في عهد خادم الحرمين الشريفين.
حيث شدد البيان على رفض العنصرية والعصبية والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وحذر في أكثر من موضع من دعوات صراع الحضارات، مؤكداً على انفتاح المسلمين في حوارهم على كل الاتجاهات المؤثرة في الحياة المعاصر.
أي جسر ذهبي فاخر يبنيه قائد الإصلاح باتجاه العالم؟! أي قلب جسور استطاع أن يتجاوز منطقة تغلي بالشعارات والتخوين والأدمغة الظلامية المقفلة على يقينها المحدود، ويلوح بملامح مرحلة جديدة متكاملة مع مشروع المملكة وعلاقتها مع العالم من حولها، ومكملة لمسيرتها الحثيثة في نقل مسمى المملكة من وصمة(مملكة الظلمات) كما اعتاد الإعلام المعادي العالمي أن يسميها إلى مرحلة وحقبة مسمى (مملكة الإنسانية)؟!.
رؤية خادم الحرمين الشريفين كانت تنطلق من وعي عميق بطبيعة المرحلة المتجهة نحو الإصلاح والتطوير الاقتصادي الذي لابد أن يستوعب المداخيل النفطية الهائلة وتسخيرها نحو تأسيس بنى تحتية صلبة للأجيال القادمة، هذا الوعي العميق يدرك أن الإصلاح الاقتصادي بحاجة إلى تربة وبيئة مخصبة بالتسامح والتعايش والانفتاح على الآخر، كوننا جزءاً من المسيرة الحضارية وشريحة من المجتمع العالمي، وليس بمجموعة ظلامية متشددة تختبئ في غار وتهدر عمرها في الخطط والتدابير الساعية إلى الدمار وفناء البشرية.
الحوار هو أسمى مهارات الاتصال التي توصل لها البشر من طور الخلية الأولى حتى مغادرتهم الغابة، حيث تركوا وراء ظهورهم صراع الغاب والناب وارتقوا إلى قمم الحوار، بعيدا عن تاريخ الدماء والأشلاء ومهلكة الحروب التي التهمت البشر عبر التاريخ
ما أنجز الأسبوع الماضي في بيت الله الحرام هو صفحة تاريخية مشرقة في حقبة رجل المملكة التاريخي، خطوة جسور خرجت من بين أعطاف قلب نقي مفعم بالمحبة والولاء للوطن، قلب لا يميل إلى دهاليز السياسة، وشعرة معاوية، بل هو دوما يختار أوضح الطرق وأسهلها وأقربها إلى قلوب شعبه.