تنبأ هذا المخلوق الضعيف بموعد رحيله، وتصوّر بكل أسى وحسرة مواكب تشييعه ومراسم دفنه، وتوقع سوء المنقلب، وبوحي التخيل للموقف يقول: |
أقولُ لهم في ساحة الدفن خففوا |
عليّ، ولا تلقوا الصخور على قبري |
ألم يكن همٌّ في الحياة حملتهُ |
فأحملُ بعد الموت صخراً على صخرِ |
* جزء يسير قبسته للقارئ يحمل أبعاداً فلسفية للحياة وللممات، ومن الطبيعي أن يموت المرء وتموت معه همومه، ولا يبقى أمامه سوى العمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لكن قليل من الناس من يقف مع نفسه متأملاً ومتدبراً، واعظاً ومستوعظاً، ولذلك فإن المفهوم للحياة من المجالات التي يتباين البشر فيها بين إفراط وتفريط. |
* معظم هذا الناس يحملون أنفسهم من هموم الحياة وأوصابها ما لا يطيقه بشر، ولا يحيط به العقل، فيعيش ضنك الحياة بكل مفاهيمها. يغدو ويروح بآمال عريضة وطموحات كبيرة، وأعباء جسيمة. لا يقف عند حد حين تتقدم به الحياة، أو يكون قاب قوسين أو أدنى من الممات، إذ ربما وجدناه تتعاظم آماله وأهدافه وطموحاته كلما طالت به الحياة. وفي مثل هذه الوثبات تبدو حكم كثيرة، قد يكون بعضها نعمة، وربما انطوت على نقمة. |
* حياةٌ كهذه لا أحد يستطيع أن يجزم بخطئها، فموت الأمل عند الإنسان أحيانا، وضعف الهدف عنده له من الآثار النفسية عليه الشيء الكثير، ولا يشعر بوطأتها إلا من عاناها وتجرّع مراراتها. هنا قد يكون من نعم الله على البشر أن يسري هذا الشعور عند بعضهم إلى آخر رمق في الحياة، ولكل أجلً كتاب. |
* صنفٌ آخر من الناس يرى خلاف ذلك، فالحياة الدنيوية أقل من أن نعطيها هذا الحجم وذلك الامتداد والزخم الهائل. في أحايين كثيرة المبالغة في جمع الحطام يفقد الفرد، وبخاصة في بعض سنوات حياته الذهبية لذة الاستمتاع بها، والتخلص من بعض الأوزار من خلال الموازنة بين متطلبات النفس والعقل والجسم يفتقده كثير منا، لهذا فنحن بحاجة إلى ثقافة أكثر فاعلية ومرونة في كيفية التعاطي مع شؤون حياتنا. |
* لاشك أن المجتمع قد يقسو في معاملته مع بعض الفئات حين يكون عامل الزمن إلى غيره من العوامل سبباً في تباين الثقافة بينهم في هذا العصر، لكن هذا لا يخوّل بأي حال من الأحوال أن نجد من تكون ردة فعله عنيفة في الموقف على غرار ما يصوره لنا هذا (الشاعر) حين يقول مخاطباً ذاته التي يذكرها بشيء من الأسى والحسرة، وإقصاءٍ لنفسه من الساحة غير مبرر من منظورنا، يقول: |
وقم ودّع الأرضين عني فإنني |
بقيد الردى المحتوم إلا لسانيا |
لقد أفردته نفسه بين قومه |
فعاش خيالا بينهم مترائيا |
وما كان إلا قوة أحدقت بها |
حوائل ضعف أمرها اليوم باديا |
* وفي مثل هذه المواقف يحسن الاستدلال بالأثر (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا). |
|