قبل أن يترك جورج بوش البيت الأبيض أخذت الإجراءات المخالفة للقوانين الأمريكية تتساقط، وتلغى مرة من قبل المشرعين الأمريكيين (البرلمانيين) ومرة من قبل المحاكم العليا والقضاة.
وقد أحسن هؤلاء سواء القضاة أو رجال الكونجرس صنعاً بمعالجة أخطاء بوش التي يعتبرها الأمريكيون انتهاكاً للأساس الذي وضعه ما يطلقون عليهم في أمريكا (الآباء المؤسسون) ويقصد بهم واضعو الدستور الأمريكي والتعديلات التي أجروها عليه، والتي تؤكد دائماً على الفصل ما بين السلطات الثلاثة؛ (التنفيذية) ويمثلها الرئيس والإدارة الأمريكية من وزراء وحكام ولايات، و(التشريعية) وهم الكونجرس بشقيه (الشيوخ والنواب) والمجالس التشريعية في الولايات، و(القضائية) والتي تمثلها المحاكم من محاكم أولية إلى محاكم الولايات ثم المحاكم الفيدرالية وأخيراً المحكمة العليا التي تعد أعلى سلطة قضائية. وبالتالي فإن الرئيس الأمريكي لا يمكن أن يتجاوز سلطة المجالس التشريعية ولا السلطة القضائية التي توجه من قبل المحكمة العليا، وبما أن الرئيس بوش تجاوز فيما تجاوز السلطة التشريعية عندما (شرع) التنصت على مكالمات المقيمين في أمريكا من مواطنين ومقيمين وتمت معالجة هذا (الخرق) عندما حكمت إحدى المحاكم الفيدرالية بوجوب تحديده بفترة زمنية، ثم جاءت المعالجة الأهم عندما حكمت المحكمة العليا بالسماح للمعتقلين في غوانتانامو باللجوء إلى المحاكم المدنية للطعن في اعتقالهم.
حكم المحكمة الأمريكية العليا أشاع عدداً من الردود وانتقلت أصداؤه إلى خارج أمريكا لأنه يعالج خرقاً كبيراً للدستور والأعراف الدولية؛ لأن إدارة بوش أرسلت من اتهمتهم بممارسة الإرهاب إلى جزيرة خارج أمريكا (غوانتانامو) وحرمتهم من حقوقهم القانونية بعد أن خصصت ضباطاً لمحاكمتهم وبعضهم أبرياء سوى أنهم كانوا نشطاء في الجمعيات الخيرية.
ورأى ناشطو حقوق الإنسان أن هذه الخطوة تشكل توبيخا واضحا وصريحا لما قامت به إدارة بوش من حرمان المعتقلين من حقوقهم الدستورية الرئيسية.
ورحب محامون وجماعات حقوقية وأقارب المعتقلين بالقرار واعتبروه دفاعا عن الدستور الأمريكي.
وقال خالد العودة والد أحد معتقلي غوانتانامو وأحد المتقدمين بشكوى أمام المحكمة العليا (بعد أكثر من ست سنوات طويلة ومؤلمة أصبح أفراد أسرنا المعتقلين قريبين من العدالة).
وأضاف: (شعرنا بالارتياح لأن المحكمة العليا قررت إرساء حكم القانون الذي كان أساس النظام القانوني في الولايات المتحدة منذ أكثر من مائتي سنة).
وقالت منظمة (هيومان رايتس ووتش) إن الحكم يعتبر (ضربة قاسية) لسياسات بوش.
وأضافت المنظمة إن (حق المعتقلين في الطعن في الأسس القانونية لاعتقالهم، هو حق مضمون لهم على مر الزمان يوفر الضوابط الأساسية ضد أية انتهاكات) يمكن أن تقوم بها السلطة التنفيذية.
وقال غيتانزالي غوتيريز الذي يمثل العديد من معتقلي غوانتانامو، إن الحكم يظهر دور القضاء الأمريكي في ضبط السلطة التنفيذية. وأضافت أن القضاء (يضمن أن يكون المعتقلون لدى الحكومة يستحقون الاعتقال ويمنع السلطة التنفيذية من ارتكاب انتهاكات غير قانونية بسبب غياب رقابة المحكمة).
واختلف المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية جون ماكين والمرشح الديموقراطي باراك أوباما بشأن القرار.
فقد ألمح السناتور الجمهوري إلى أنه يوافق على رأي رئيس القضاة جون روبرتس المعارض للقرار، وقال (هذا الأمر يثير قلقي. فهؤلاء مقاتلون غير قانونيين، وليسوا مواطنين أمريكيين).
أما أوباما فوصف القرار بأنه (رفض لمحاولات إدارة بوش خلق ثغرة قانونية سوداء في غوانتانامو).
وأضاف أن (هذه خطوة مهمة باتجاه إعادة مصداقيتنا بوصفنا شعب ملتزم بحكم القانون ويرفض الاختيار الخاطئ بين مكافحة الإرهاب واحترام القانون).
وانقسمت المجموعات المدنية بشكل كبير مع رفض المحكمة بأغلبية خمسة إلى أربعة أصوات قانوناً صدر في 2006 حول محاكمة معتقلي غوانتانامو أمام محاكم عسكرية تحرمهم من حقوقهم الأساسية.
jaser@al-jazirah.com.sa