تقف الكلمات في الحناجر، وتغص القلوب بالآلام ويجري قدر الله.. تتلقانا الدنيا بأنيابها، ونسقى بعلقمها فيأتي فجر الأربعاء الرابع والعشرون من شهر ربيع الثاني لعام ألف وأربع مئة وتسعة وعشرين ليخبرنا أن الله قد اختار أبي ليغادر الدنيا الأليمة التي صارعته بأمراضها، فصبر ونغصته بأكدارها فرضي، وفتنته بزخرفها فثبت، أظلمت الدار بعدك يا أبي، أخذنا نتلمس طريقك المضيء للمساجد وصدقاتك في الخفاء، وابتسامتك في وجه المحزون، وتفريج المكروب، وصنائعك هي التي تؤنسك الآن إن شاء الله. افتقدناك يا أبي، وافتقدنا يدك الحانية، وصوتك الخاشع، ولسانك الذاكر.غادرت الدنيا بابتسامة الرضى، قبلنا جبينك الطاهر، وودعناك الوداع الأخير، مبتسماً..
تزاحمت الوفود في العزاء، جاءنا أهل الخير بشهاداتهم له، أتانا الخبر اليقين من تلك العجوز المثقلة بالفقر والعوز. جلست تحت وهج الشمس فقط لتخبرنا أنها لا تعرفه ولا يعرفها، إنما تعرف يده البيضاء التي أنارت ظلام فقرها وأشبعت جوع أبنائها وجبرت ثلمتهم فكان أباً لمن لا أب له.
مت يا أبي هانئاً، ما دام طيب ذكرك يسري مع كل صباح. ومت هانئاً مادمت تورث الخير للناس. ومت رضياً مبتسماً ما دامت الدعوات ترفع لك ليل نهار.
أحسن الله عزائي وعزاء أمي وإخوتي وأخواتي فيك يا أبي.