.. يحسب للصينيين تاريخيا أنهم أول من اخترع الورق في القرن الأول الميلادي، ومن خلال الصحافة، يظل الورق هو الأكثر إثارة للدهشة وللمشاعر، مهما تعددت القنوات الإعلامية خاصة فيما له علاقة بالبروز، أو حتى بالجانب الآخر المتعلق بالنقد، الورق بسحره الذي لا يقاوم، وبعنفوانه الذي لا يجارى هو الأبرز في كل الأحوال، وهو الأقدر على توثيق الحكايات الجميلة، وتأطير التفاصيل حلوة، أو كانت ترتدي رداء آخر، ولم أجد مسؤولا قد يثابر للحصول على براءة الذات، أو يقوم وقد لا يقعد من جراء نقد، عدا ذاك الذي تقدمه القراطيس ببياضها الذي يمكن معه تحقيق الرؤية الجيدة دون عناء، والوصول إلى الغاية من أقصر الطرق، والانتشار من أوسع الأبواب، وكذلك الحفاظ على هوية التوثيق المثالية، والتناقل السهل، كل هذا تجده فقط لدى الورق، ولعل مديرا متوترا لدائرة حكومية تتعرض للنقد عبر الصحافة يمكن أن يكون مثالا لما ذكرت، وهذا الصنف يسعى بكل ما أوتي من قوة للدفاع عن نفسه، لا عن الدائرة التي يرأسها حين يتعرض عمل من أعمالها للنقد، وقد لا يتأثر كثيرا لو تعرض للنقد بأية وسائل أخرى، الورق هنا لا يمكن ترويضه، كما لا يمكن السيطرة على حجم المشاعر الناجمة عن تأثيره، حتى مع التطور الكبير، أو التغير في العلاقة بين الورق والكاتب مع تغير مسار تلك العلاقة إلى علاقة إلكترونية في بعض الأحيان، حيث لا يلتزم الكثيرون بكتابة المسودات التقليدية كما كان يحدث في الماضي، بل تحولت الكتابة إلى كتابة مباشرة من خلال لوحة مفاتيح بجهاز الحاسب الآلي، ومهما تنوعت أساليب الكتابة يظل سحر الورقة ماثلا، ومتجليا، سواء كانت الكتابة بالقلم، أو بالكي بورد، بالحبر أو حتى بماء الورد، كما أن القراءة الإلكترونية من جانب آخر لم، ولن تتمكن بأية حال من الأحوال من كسب الرهان مع الورق، الذي تشعر الأيدي بحلاوة ملامسته، والرحيل به ومعه كقصة عشق حين تبدأ فهي في الغالب لا تنتهي، الورق هو الورق بعنفوانه الجميل، وبعلاقته الوثيقة بالكاتب وكذلك بالقارئ، وبقوة حضوره، وأثره في النفس، وتأثيره على الآخرين، مهما تنوعت الوسائل وتعددت السبل.
www.falfadil.com