تعتبر إيران من أكثر الدول في العالم إجادة للألعاب السياسية، فقادتها متفقون على حتمية أن تكون لبلادهم قوة إقليمية تتيح لها التعامل مع القوى الإقليمية والدولية بندية، وليس أدل من على ذلك من سياسة الجذب والشد التي تنتهجها إيران في علاقاتها الخارجية ولاسيما في السنوات القليلة الماضية
حينما تمكنت من إيجاد موطئ قدم داخل البلاد السنية تتمثل في عدة جيوب صغيرة كانت أو كبيرة، مما أتاح لها فرصة التدخل في الشؤون العربية من دون وجه حق.
ففي العراق يبدو أن الأحلام الإيرانية في العراق قد تحققت منذ انتصار الثورة الإسلامية نهاية السبعينيات، وبقيت إيران لاعباً قوياً على الساحة العراقية وهو ما أكده تقرير عرض على ندوة عقدت في القاهرة خصصت لتقييم ومناقشة التقرير الاستراتيجي الإيراني للعام 2007 م: أن إيران اخترقت العراق بشكل ساحق مما يشكل خطورة كبيرة على البلاد.
مشبهاً الوجود الإيراني في العراق بأنه يماثل الوجود الأمريكي في الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية بل صار الوجود الإيراني قائماً في كل شوارع العراق مما يشكل خطورة كبيرة على البلاد.
ويختصر حسين شريعتمداري - رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية ومستشار المرشد الأعلى على خامئني - في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الفرنسية: (إن تقييمنا هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تهاجم إيران ليس بسبب الرئيس الأمريكي جورج بوش بل لأنه مازال هناك في الولايات المتحدة الأمريكية بعض العقلاء الذين سيمنعون بوش من الإقدام على ذلك.
وتابع: إننا نسيطر كلياً على الوضع في الشرق الأوسط وفي العراق ).
فإيران تسيطر على أكبر تشكيلين للمليشيا، هما: فيلق بدر وجيش المهدي.
و تتحكم بأكبر حزبين شيعيين، هما: المجلس الأعلى وحزب الدعوة بأجنحته الثلاثة.
كما فتحت مكاتب للمخابرات الإيرانية استقطبت أكثر من (70.000) شاب من الجنوب.
وتجاوز عدد المنظمات الإيرانية التي تعمل في العراق ثلاثين منظمة تتخذ لها أسماء ومقرات وعناوين معروفة وجميع من يعمل فيها ويدير أنشطتها إيرانيون.
وتنتشر هذه المنظمات في محافظة الجنوب والوسط، ومنها: منظمة تحمل اسم ممثلية الولي الفقيه التي ترتبط مباشرة بمرشد الثورة الإيرانية علي خامئني.
وهناك الكثير ممن يتولون وظائف وزارية وقيادية في حكومة المالكي هم من أصول إيرانية، وفي مجلس النواب هناك ثمانية عشر نائباً إيرانياً أو يحمل جنسية إيرانية.
هذه التدخلات السافرة التي تم رصدها على الساحة العراقية عكست ملامح الضجر والتذمر الذي اجتاح الشعب العراقي، فوقع أكثر من مليوني شخص من شيعة العراق قبل أيام بياناً يدين ما وصفت بأنها: (جرائم ارتكبها النظام الإيراني في العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة خصوصاً في محافظات الجنوب) مضيفاً: (إن أكثر الطعنات إيلاماً وأكثر الخناجر تسميماً التي غرزها النظام الإيراني في خاصرتنا نحن الشيعة في العراق هو استغلال المذهب بشكل مخجل لتحقيق نياته الشريرة وأغراضه المشبوهة).
وفي سوريا حذرت دراسة للمعهد الدولي للدراسات السورية من زيادة عدد الحوزات العلمية في سوريا، ومن التشييع بوجهه الديني والسياسي.
وأشارت الدراسة التي نشرتها - صحيفة الشرق الأوسط - قبل أيام إلى أن التشيع في سورية يأخذ طابعاً دينياً سياسياً مزدوجاً عبر الأنشطة الإيرانية التي تقوم على بناء وتمويل الحوزات.
وقالت الدراسة: إنه برغم أن مظاهر التشيع بدأت مع بدء العلاقة الخاصة بين إيران وسورية بعد الثورة الإيرانية 1979 م، والحرب العراقية الإيرانية (1980 م - 1989 م) إلا أن المخاوف من زيادة التشيع لم تبلغ يوماً المستوى الذي تبلغه اليوم.
ففي خلال ست سنوات فقط تم إنشاء ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن من الحوزات العلمية في سورية.
بالإضافة إلى غض النظر عن تدفق الأموال من الحكومة الإيرانية في المجالات الثقافية والدينية.
ووفقاً للدراسة فإنه بين عام 2001 م وحتى عام 2006 م أنشئت في قرية (السيدة زينب) بدمشق اثنتا عشرة حوزة علمية، وثلاث كليات للتعليم الشيعي، كما حصلت أول جامعة إسلامية شيعية متخصصة بالعلوم الدينية على ترخيص أمني للعمل داخل سورية عام 2003 م.
وخلصت الدراسة إلى أنه في المدى المنظور فإن خطر التغيير الديموغرافي في سورية بسبب التشيع غير وارد، لكنها حذرت من الخطر السياسي والأمني الكامن وراء الظاهرة.
وفي اليمن فإن تمرد الحوثيين الذي دخل سنته الرابعة يقف كحالة خاصة إذ إن ذلك التمرد ينذر بالتحول إلى حرب كارثية تستدعي وقفة تأمل وتحليل من الأهداف الرامية لهز أمن واستقرار اليمن.
صحيح أن المذهب الزيدي أقرب إلى أهل السنة إلا أن أيديولوجيتها متأثرة إلى حد كبير بالمذهب الإثني عشري، وبالأيديولوجيا الخمينية التي تهدف إلى تدعيم وبناء حركات شيعية تابعة للولي الفقيه، والسيطرة على منطقة صعدة وما جاورها، من أجل تحويلها إلى منطقة نفوذ إيراني لمواجهة دول الخليج، ولا سيما وأن اليمن قدمت أدلة واضحة تثبت تلقي الحوثيين دعماً مالياً كبيراً قادماً من إيران.
ما سبق بيانه من نماذج يؤكد على أن الدور الإيراني سلبي في سياسته وأساليبه، فهو مشروع قومي دون اعتبار للمصالح الإسلامية.
انتقلت به من مرحلة التخطيط والإعداد إلى مرحلة التنفيذ في إستراتيجيتها لتصدير النموذج الإيراني إلى دول الخليج العربي والعالم الإسلامي.
بقي أن أقول: إن على إيران إيقاف هذا اللون من السلوكيات العدائية والاستفزازية وإنهاؤها والذي لا يخدم سوى أعداء الأمتين - العربية والإسلامية - .
وأن تتمسك بمبدأ إقامة علاقات حسن جوار مع دول الخليج العربي من أجل وحدة الصف وجمع الكلمة. وفي المقابل فإن على دول المنطقة أن تنظر إلى مصالحها وأمنها، وعدم السماح للسياسة الإيرانية بالتمدد في طول البلاد وعرضها بما يشكل خطراً على دولنا العربية.
drsasq@gmail.com