يتسابق العرب أفراداً وجماعات على إنشاء قنوات فضائية في ظاهرة غير مسبوقة.. الكثير من هؤلاء لا يفكر وهو ينشئ فضائيته إلا أن يخرج سريعاً على الفضاء، لكن كيف يخرج وبماذا يخرج فهذا ليس مهماً بالنسبة له ولا يشكل لديه قضية أو قلقاً وبالتالي فلا فلسفة ولا رؤية ولا رسالة ولا إستراتيجية ولا خطة عمل واضحة ولا دراسة جدوى تتوافر لهذا المستثمر. وإذا كان هذا السلوك غير مقبول ولا مبرر من الأفراد فهو من باب أولى غير مقبول على الإطلاق حينما يأتي من جهات رسمية يفترض بها وهي تقرر إنشاء مشروعها الفضائي أن تكون قد أخضعت المشروع لدراسة الجدوى اقتصادياً ومعرفياً حتى تعرف بالتالي ما تريد أن تقدمه والأكثر أهمية أن تعرف الجمهور المستهدف لبرامجها. هذا العدد الكبير من القنوات الفضائية يطرح تساؤلاً حول ماهية دوافع هؤلاء الفضائيون من إنشاء هذه القنوات. فهل المال وتحقيق الشراء هو فعلاً الهاجس الذي يدور بخلد معظم هؤلاء المستثمرين أم أن حلم تحقيق الشهرة وذيوع الاسم هو الدافع والمحرك الأساسي لهذه الرغبة فقد يكون الرجل من هؤلاء يملك المال الوفير ولكنه يفتقد الشهرة والنجومية وعبر هذه الوسيلة الإعلامية يعتقد خاطئاً أن هذه القناة سوف تتكفل بتحقيق هذا الهدف. وبعض هؤلاء الفضائيين وهو عدد قليل جداً من يملك رسالة وهدفا ساميا ونبيلا ويريد تحقيقه عبر هذه الفضائية وأدنى هؤلاء جميعاً من تتركز دوافعه في أشياء غير أخلاقية يريد تحقيقها عبر هذه القناة. وبعد شهور قليلة من بدء عمل هذه الفضائيات إلا وتبدأ هذه القنوات في الاختفاء من جهاز الاستقبال وحينما تتساءل عن أسباب ذلك ستجد تبريرات غير صحيحة لهذا الإخفاق والفشل ستجد بعضهم يحاول إقناعك بأن اختفاء قناتهم إنما يعود إلى أنهم يريدون تغيير القمر الصناعي الذي يبثون عن طريقه وستجد آخرون يحاولون إقناعك بأن اختفاءهم إنما هو توقف مؤقت يحاولون فيه مراجعة أوضاعهم من جديد وستجد آخرين يفسرون اختفاءهم بأنه بسبب سوء الإدارة وأنهم بصدد البحث عن إدارة جديدة ويعودون من جديد. وبرغم كل هذه التبريرات إلا أنها في النتيجة هي خسارة أموال فضلاً عن خسارة أكبر وهي الإحساس المر الذي يخلفه الإخفاق والفشل في نفس صاحبه، وحينما ندرس ونحلل إخفاق هذه الفضائيات فستجده يعود بالدرجة الأولى إلى الارتجالية والتسرع في اتخاذ القرارات وعدم الأخذ بالأسلوب العلمي السليم في إنشاء مثل هذه المشروعات الحساسة، وفي هذا الصدد أذكر أنني قرأت حواراً صحفياً مع الشيخ صالح كامل صاحب قنوات الART، وذلك في بدايات تأسيسها، وكان من أبرز ما قاله إنه يصرف شهرياً على هذه القنوات نحو سبعة ملايين ريال، وذكر أنه يحتاج إلى سبع سنوات قادمة لكي تتوازن مصروفاته وبعد ذلك يكون من الممكن الحديث عن تحقيق أرباح، والشاهد من هذا الكلام هو القول إن صناعة الإعلام هي صناعة مكلفة جداً وعائدها وأرباحها لا تتحقق إلا بعد مضي زمن طويل وحتى لا يضيع الجهد والوقت والمال فإنني أتمنى من يفكر في دخول الاستثمار في المجال الفضائي أن يفكر ملياً وطويلاً قبل أن يطرق هذا المجال ولتكن الخطوة الأولى في هذا الطريق هو إجراء دراسة جدوى توضح مدى قدرة المشروع على النجاح من عدمه ومن ثم يكون اتخاذ القرار على بينة وحقائق واضحة.
مستشار إعلامي