تحلق الرجال الذين دعاهم والد العروس لحضور عقد قران كريمته الوحيدة وبعد أن تناول الجميع القهوة والعصير فتح الشيخ دفتره الكبير وبدأ بالبسملة وقال توكلنا على الله. وبعد أن حدّد والد العروس المهر سأله الشيخ وهل هنالك شروط أخرى فقال الوالد نعم يا شيخ أكتب:
أولاً: عقد من (الأرز) البشاور الأصلي طويل التيلة.
ثانياً: أربعة خواتم مرصعة ب(الشعير) إنتاج هذه السنة.
ثالثاً: فراش محشو ب(البرسيم) الأخضر اليانع.
رابعاً: قرطين (حَلَق) من علب الصلصة.
خامساً: خرام من (سلك التلبين).
سادساً: قلادة (من الحديد المبروم) الذي يُستعمل في البناء عيار 16 ملم.
وهنا أخذ الشيخ يهمهم حنقاً وكانت تصدر منه مثل هذه الكلمات.. تقوم القيام إذا.. و.. وتكلم الحديد، فقال له أحد الحاضرين. نعم يا شيخ لقد تكلم الحديد بل هو الوحيد الذي يتكلم اليوم!! فقد ولى عهد الذهب لأن سعره أصبح أغلى من الذهب! وبينما كان الرجل يتحدث رن تلفون أحد الحاضرين والذي يعمل ضابطاً في أحد مراكز الشرطة وكان فيما يبدو يتحدث مع مساعده أو ضابط الخفر في المركز فأخذ يقول له على الهاتف اسمع يا ملازم فلان لا بأس أن تطلق سراح الموقوف بكفالة شريطة أن لا يكون قد سرق حديداً أو (سكراباً)!!
* * *
أغلق الشيخ دفتره الكبير وهو يحوقل ويبسمل (لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد انقلبت المفاهيم وأخذ الناس لا يرحمون بعضهم بسبب ارتفاع المواد الضرورية كالأرز وحديد السكن وعلف الماشية ثم نهض وقال على أي حال مبروك وبالرفاء والبنين، وفجأة دوّى في البيت صوت الشغالة العجوز التي تعمل في هذا البيت منذ ميلاد العروس وأخذت تصدع بموالها الشعبي الذي حفظته من أيام الصبا ابتهاجاً بالعرس:
(العز للرز والبرغل شنق حالُه).
وبالطبع كدت أن أقول لها من وراء الباب (اخرسي يا ولية إن الذي سيشنق حاله هو المواطن الفقير إذا لم تكبح وزارة التجارة جشع التجار وغلاء الأسعار)!!.