لابد أن الأشجار ترمقنا بعين ساخطة، عندما ترى ذلك الاعتداء السافر على مظاهر الطبيعة والهدر المتواصل عبر كمية المنشورات والمطبوعات الهائلة التي نستنزفها في أوراقنا وخطاباتنا ومكاتباتنا ونشراتنا.
وحتى لا تبدو المقدمة أو الموضوع متعلقا بحماية البيئة والدفاع عنها (وإن كان هذا أحد المنطلقات) فأنني سآخذه ناحية أخرى باتجاه الدفاع عن البيئة الفكرية والفضاء الذي تتحرك فيه الأفكار والآراء والمعتقدات.
فقد درجات الكثير من المؤسسات الحكومية على إصدار عدد من المطبوعات بصورة دورية على ورق صقيل وإخراج سيلوفان فاخر، يستنزف الكثير من المقدرات المادية مقارنة بالمحتوى الذي يقل حتى يتلاشى على مستوى الجودة والعمق, ليتحول إلى مجموع من الصور الملونة التي يبرق بها قصب المشالح المذهب فقط.
هذا النوع من المطبوعات ليس فقط شاحبة على مستوى الطرح والفكرة والهدف، ولكنها أيضاً من ناحية أخرى تروج لثقافة التلميع وبهرجة شاغلي الكراسي والتزلف بشكل لا يخدم المؤسسة بل يجعل المطلعين والمتلقين يرغبون عن مطالعتها أو حتى تصفحها.
وأذكر مجلة قافلة الزيت على الرغم من أنها كانت الواجهة الإعلامية لشركة نفط عملاقة، فإنها لم تتورط بهذا الفخ الذي يترصد بالمطبوعات الحكومية، فجميعنا نسترجعها منذ مطالع الذاكرة، وهي تقدم مادة عميقة شيقة تحتوي على كم وافر من المعلومات ذات المحتوى المعرفي والعلمي الرصين, ولعل القافلة مازالت بمنأى عن التورط بالمنزلق الذي تهوي إليه الكثير من الإصدارات الحكومية إلى الآن.
على حين من جانب آخر نجد أن الكثير من المطبوعات المحلية المستقلة ذات القيمة والرسالة التنويرية, تجهض وتتلاشي لأنه لم يتهيأ لها الدعم المادي السخي الذي يوازي ما يقدم لمطبوعة تابعة لمنشأة حكومية.
ولعل المواقع الإلكترونية التي أصبحت الآن أحد ملامح العصر الحديث، ترأف بحال الأشجار والطبيعة من حولنا ومئات الأطنان من الورق المهدر على ركام مفرغ من الفحوى.
لكن حتى الآن لابد أن تتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه رأفة بالأوكسجين الفكري النقي المتخلص من أرث شاعر البلاط، أيضاً لأن هذة طريقة ترويجية مندثرة أصبحت توجد فقط في كلاسيكيات كتب العلاقات العامة والإعلام، وثالثاً أنها تتقاطع مع الدور والمهمة الإعلامية كسلطة مستقلة وليست.... بوقاً، وأخيراً حماية للغابات الشاسعة التي كانت تستر أمن الأرض، وتوفر لها البيئة الطبيعة الصحية والأوكسجين النقي.