إن التعاون مع أجهزة الأمن للقضاء على الفكر المنحرف وإيقاف معتنقيه ليس عنفاً ولا قسوة بل هو رحمة بهؤلاء المضلَّلين وأخذ على يد المضلَّلين، فيَدُ العدالة إن تمكنت منهم أحالتهم إلى جهات موثوقة تناصحهم وتبين لهم الحق وتجلي ما يعتنقون من شبهات، أما التستر عليهم ففيه غش لهم لأن من رأى ضلالهم وسكت عنهم فإنه يعينهم ويفسح لهم في المجال لتوريط أنفسهم والإضرار بمجتمعهم.
لقد أتاحت أفعال الفكر المنحرف الفرصة لمن يطالبون بتنحية الدين عن الحياة، وليتابعوا اتهامهم المناهج والعلماء ومناشط الدعوة بعد أن ألصقوا مفاسد ما قام به أهل الضلال والانحراف بالمناشط العلمية والدعوية ثم جاهروا بمهاجمتها علانية وصراحة. فمنطق الأشياء يؤكد أنه لم يكن ولا يكون ولن يكون ثمة مبرر للتستر على من يتربصون بنا شراً وسوءاً، بعد سقوط شبهاتهم كلها. ولذا فإن التعاون مع أجهزة الأمن للأخذ على أيدي المفسدين هو من الرباط في سبيل الله كما أفتى سماحة الشيخ ابن باز يرحمه الله، وليس من التجسس في شيء، بل هو من التعاون على البر والتقوى لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فالله عز وجل أوجب التعاون على البر والتقوى وفعل الخير وحرم التعاون على الإثم والعدوان، وإنَّ فضح أمر أصحاب الانحراف الفكري وبيان حالهم ليتقي المسلمون شرهم هو من التعاون على البر والتقوى وهو واجب. أما التستر عليهم وإخفاء أمرهم وإيواؤهم والتهاون في إمدادهم بالمال تحت أي ذريعة فإنه من التعاون على الإثم والعدوان، بل هو أعظم إثماً وأشد عدواناً، لما في ذلك من سفك للدماء وفتنة للناس في دينهم، فيكون التعاون عليه حراماً، والتستر على أصحابه أو إيواؤهم ممنوعاً، لئلا يتسلل مغفل أو جاهل إلى أسفل السفينة ليخرقه فيُغرق نفسه والمتسترين عليه والمجتمع بأسره.
وختاماً: لقد بات من المحتم أن نقوم بجولات استباقية ضد الفكر المنحرف بموازاة الضربات الأمنية الاستباقية، لتتكامل المواجهة وتقفل الثغرات وتسد المنافذ، وإلا فإن الضربات الأمنية ستكون ترياقاً مؤقتاً لن يجدي في العلاج على المدى الطويل ما لم يضطلع كل واحد منا بدوره برفع حسه الأمني ونشر الوعي بخطورة التستر وحرمته، فهذا أمر واجب على الجميع، كل بحسب موقعه وطاقته ومسؤوليته، فالإعلام عليه عبء كبير، وأهل الحسبة والدعاة عليهم عبء كبير أيضاً، وكذا الخطيب على منبره، والمدرس في مدرسته، والمحاضر في جامعته، والمدرّسة في فصلها، والمسؤول في شركته، والزميل مع زميله.
وعلى الوالد مسؤولية في توعية ولده وتحذيره من هذا الأمر وحثه على التواصل مع الجهات المسؤولة تعاوناً على البر والتقوى ونصحاً لله ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، و(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
ونلتقي الشهر القادم في ثلاثية جديدة بإذن الله.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 8300 ثم أرسلها إلى الكود 82244