تجتاحنا مفردات بعضها مختصرات لألفاظ لغات أجنبية التقطها الناس بالسماع وكرروها بالاستخدام فغدت ضمن مفردات المعاش اليومي... وما أنكرها أحد على أحد... وامتدت لأروقة العمل والاستخدام الاستهلاكي اليومي في الشؤون العامة والخاصة... بينما لا نفعل من أجل لغتنا فنقربها للآخر بتعليمه العربية عن فرض التحدث بها أو بفتح معاهد يسيرة المقابل المادي لتعلمها.. بل لا نفكر في أن يكسب هذا الوافد التعرف على المفردة العربية في الاستخدام اليومي بل نذهب للنطق المعوج الملحون بمثل ما ينطق لسانه تهاوناً لا أحسب أنه مقصود ولكنه بالغ الخطورة...
يدعو هذا الواقع إلى عدم التساهل في قبول أن تضيع هوية ألسنة الجيل وهي تتناقل ما يتكرر على الأسماع من مفردات الأفلام أو البرامج أو عن أي نوع من الاحتكاك...
وكثيراً ما تخيلت أولئك وهم يتداولون أحاديثهم ويمارسون طلبات حاجاتهم بألفاظ عربية منطوقة بلسانهم.. وتحديداً تلك الفئات التي تقاطرت على بلداننا كأسراب الطيور أو الجراد حين الاجتياح والهجرة... لكنهم لا يفعلون، وهم فئات فمنهم من لا يفعلون ليس لصعوبة العربية وإنما حفاظاً وتباهياً بأنفسهم..هؤلاء إن أقبلوا على تعلم العربية فليس للترفيه ولا للمنافسة بل لأغراض أبعد يقرؤون عنها ما يخططون له من معرفة بالشعوب قيد أهدافهم.... وهذا الرأي ليس من منطلق نظرية المؤامرة وإنما من واقعها الملموس على خريطة التغيرات العالمية الراهنة على أصعدة الحياة اليومية وسياسة التقرب من الشعوب العربية والهيمنة على ريح الأشرعة... بينما الجراد حين يحط على الأشجار لا تفرح هجرته لأنها تتحول إلى وباء إذ يقضي على الثمار والأوراق وينقر في السيقان والجذوع ويترك الجنان خراباً والثمار خواء... تماماً كما يفعل الاجتياح الاجنبي بالنفوس والعقول بل وصل إلى اللسان.... ومنهم من لا يتعلمونها لأنهم قادمون بثقافة غير متعمقة ولأغراض خدمية عامة لا تتيح لهم قدراتهم التفكير فيما هو أبعد من الحصول على مصادر أرزاقهم... وتأثير ألسنة هؤلاء في الناس كبير كما هو ملحوظ على المستوى الاجتماعي العام...
غير أن المفزع أن اللسان حين يتم اجتياحه فهو أول دك في وتد خيمة البيت الذي هو الانتماء... والانتماء إحساس...
وكما تتحول المزارع في حضرة الأسراب المهاجرة إلى أوراق صفراء يعبث بها الفراغ والجفاف والمرض يتحول الشعور بالانتماء إلى خواء وصدى... يتردد في هوية مكتوبة لا منطوقة ولا فاعلة...بإمكان المرء الاستفادة من لسان الآخر بطريقتين الأولى: الإيغال في قراءته ومعرفته والأخذ منه ما هو نافع يزيد في تطوير الذات فكراً وأداء وإنجازاً وتفاعلاً مع الحياة لكنه أيضاً لابد أن يكون عليه أن يسلح نفسه بمقابل يعطيه له...على أن يكون المقابل معادلاً له... لا يأتي هذا المعادل عن طريق التنازل وإلا فهي الهاوية ومبتدأ الفقد... والطريق إلى الغربة عن النفس... والثاني العمل على التأثير في الفئات الوافدة غير المختصة والمندمجة بالحياة العامة عن طريق تعليمها العربية وعدم مجاراتها في تكسير الحروف وخدش الكلمات العربية نطقاً وتركيباً...
إذ كيف بالله تكون وطأة الغربة التي ينشئها المرء ويحفر لها بنفسه وفوق أرضه...؟
هي هذه المحكات الصعبة والجذرية التي تمر بها شعوب العرب في المرحلة الانتقالية الراهنة...
تبدأ باللسان منذ إرهاصات التنازل التي جاءت مع مدعي الاندماج والفرحين بالتحديث... دون وعي لما هو آت...