لقد فوجئنا في 13 رجب 1429هـ بوفاة الأب الفاضل المهندس الشيخ محمود عبدالله طيبة الذي عرفته جاراً منذ ما يقارب خمسة أعوام في حي الرائد بمدينة الرياض.
وبالرغم أن عمري كعمر أحد أبنائه إلا أني أعتبره الأخ الأكبر والصديق الوفي والقدوة الصالحة في حسن الخلق في زمان يندر فيه مثل هذه الفئة من الناس.
في البداية أعزي أهله وذويه وجميع المسؤولين في الدولة بفَقْد هذا الصرح الشامخ، وأقول لهم إن عزاءنا في فَقْد الشيخ هو وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فوفاته بأبي هو أمي صلى الله عليه وسلم تخفيف لكل مصيبة دونها، ولا نقول إلا كما قال صلى الله عليه وسلم: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا هاني لمحزونون.
لقد عشت مع الشيخ كجار وأب وأخ أكبر لي خلال السنوات الماضية؛ حيث كنا نرى بعضنا يومياً في المسجد المؤقت للحي يؤمنا فيه كثيرا من الأحيان.
وأمانة للكلمة وشهادة لله في أرضه فإني أسطر بعض الكلمات والصفات عن الشيخ محمود، ولعله بعض ما أعرفه عنه:
* أولاً: حرصه على العبادة
وهذا مشاهد وملموس بوضوح؛ حيث كان موقع الشيخ في الصف الأول من المسجد وخلف الإمام مباشرة، وكان يؤذن في المسجد إذا تأخر المؤذن ويصلي بنا في كثير من الأحيان، وكانت صلاته تتسم بالإطالة نسبياً مع قراءة جميلة كطريقة أهل مكة القدامى، وكان يقرأ في كثير من الأحيان من آل عمران والنساء والتوبة والأنفال بطريقة تجعلك تتذكر معاني الإسلام الخالدة كالإنفاق في سبيل الله والصدقة وغيرها.
والشيخ محمود كان مواظباً على الحضور مبكراً لقراءة القرآن ومراجعة حفظه والمكوث بعد الصلاة للتسبيح والذكر، وعند الخروج من المسجد يرفع صوته بالسلام على من تبقى من المصلين؛ حيث لا يمكن أن يخطئ وجوده أحد في المسجد.
والشيخ له جهود كبيرة في إنشاء مسجد الحي الدائم؛ حيث توفي - رحمه الله - ولم ير اكتمال المسجد، ولكن جهوده الكبيرة ستكتب له بفضل الله؛ حيث كانت جهوده في تحرير أرض المسجد وخرائطه وإنشائه والتبرعات وغيرها التي لا ينكرها إلا الجاحد، وأتمنى أن يسمى المسجد باسمه إذا انتهى بناؤه.
* ثانياً: حبه للضعفاء والمساكين
ففي يوم وفاته في صلاة العشاء والفجر رأيت كل العاملين عنده وجيرانه يبكون في صلاتهم؛ حيث كان رحمة الله عليه دائماً مبتسماً للجميع مسارعاً إلى السلام منفقاً على الضعفاء، وكان راعياً للأيتام في المملكة والعالم الإسلامي، وكان متحملاً رعاية يتيمة معاقة في بيته، وقد جهز لها كل أسباب الراحة من السيارة والمصعد والكراسي وغيرها.
كما أن سائقه الفلبيني عاش هو وزوجته وأبناؤه مع الشيخ أكثر من عشرين سنة، ولا يمكن لأحد أن يعمل مع الشيخ أن يتركه لما يتحلى به من معاملة حسنة.
وكان الشيخ يرعى الخيمة الرمضانية سنوياً في المسجد المؤقت؛ حيث يشرف عليها شخصياً ويتأكد من أن الإفطار على أفضل ما يكون، وكان الشيخ عطوفاً خاصة على الأطفال؛ حيث كان ينزل ويُقبّل ابني الصغير ذا الأربعة سنين على رأسه ويداعبه بكل حنان وأبوّة.
* ثالثاً: تواضعه وحُسن خلقه
ومَنْ يعرف الشيخ يعرفه في حلمه وتواضعه وحُسن خلقه وبساطته في المقابلة والحديث؛ فلم أره يوماً غاضباً على كبير أو صغير، ودائماً تراه مبتسماً لا يرفض دعوة جار لأي مناسبة.
وبالرغم أن الشيخ محمود قد تبوأ مناصب كثيرة في الدولة آخرها نائب مجلس الشورى لكن إذا عشت معه تعرف أن الدنيا لم تكن في قلب الشيخ، ولكن كانت في يده.
والشيخ لا يرد طلباً لأحد أيا كان؛ فهو دائماً يبادرك بالابتسامة والقبول، وتجد فعلاً أن ما طلبته منه تحقق.
والسبب أخلاقه العالية؛ فهو محبوب من الصغير والكبير والضعيف والغني والمسؤول والعامل معه.
وخلال معاشرتي للشيخ لم أسمع منه غيبة في أحد أو كلاماً سيئاً في شخص ما.
وكان - رحمه الله - يسمع منك ويقبل النصيحة ولا يقاطعك في الكلام حتى تنتهي منه، كما كان يبادر بالجلوس عندك ويرفض أن تقوم له.
هذه بعض من أخلاقه الحسنة الجميلة.
* رابعاً: المبادرة إلى كل عمل فيه صلاح الحي ومساعدته للجميع
وهذه الصفة معروفة للجميع خاصة سكان الحي؛ فلا يوجد فكرة أو عمل يمكن تقديمهما للحي إلا بادر إليهما؛ فجهوده في إقامة الحي كثيرة من بناء المسجد وتوسيع شبكة المياه والتصريف الصحي وسفلتة الشوارع وغيرها من الأمور؛ فقد كان - رحمه الله - يكتب ويقابل المسؤولين لتسهيل كثير من الأمور حتى أصبح حي الرائد الجنوبي حياً مثالياً.
هذه بعض الصفات وليس كلها، لعلي أفي ببعض ما أعرف عن الشيخ رحمه الله تعالى وكتب له الأجر وجعل مثواه في الفردوس الأعلى وأحسن عزاء أهله وذويه ومحبيه.
رئيس قسم الطب الوراثي - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث