سبحان الذي وهب بلادي هذا البعد الجغرافي العظيم، والتضاريس المتباينة، ففيها السهل والجبل وفيها الربا والوديان، ولا تخلو من الواحات والينابيع وعيون الماء العذب الفرات التي تتفجر بالخير وسط الصحاري فتجد {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ}(10) سورة ق، وتمتد فيها البوادي إلى ما بعد البصر، تجد فيها المشتى والمصيف، وربيعا يمتد إلى الخريف، {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى} (54) سورة طه، فبينما فواح الحر في الوسط نجد الجنوب المطير والخضرة تكسو وجه الارض ببساط سندس أخضر يشد الناظرين، وفوق المرتفعات في سلسلة جبال البحر الأحمر (جبال عسير) تجد فيها مناخ أوروبا، البرد والضباب والأمطار، كل هذا التنوع الذي يفي بكل متطلبات من ينشد الراحة والتغيير، ناهيك عن أماكن تهفو إليها الأفئدة والقلوب، وتحط عنك فيها الذنوب (الحرمين الشريفين)، إلا أن بعضهم ما زال يصر على السفر إلى الخارج لقضاء عدة أيام أو أسابيع يلقى فيها الابتسامة إلى آخر ريال في جيبه، وبعدها يفعل الله ما يشاء.
تطغى الطبيعة على بعض المناطق في مملكتنا الحبيبة في بعض فصول السنة، ففي الصيف تجد الحر الشديد، وفي الشتاء تجد البرد إلى درجة تتجمد فيها المياه في الصنابير، مما يجعل الإنسان ينشد التغيير واللجوء إلى أجواء أكثر اعتدالاً، ولعل هذا يفسر قوله تعالى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك.
إلا أن الله عز وجل قد من على مملكتنا المترامية الأطراف بمناطق تجد فيها الدفء في قلب الشتاء وتجد فيها الربيع في وسط الصيف مما يجعلها قبلة للسياحة الداخلية بشكل رئيسي، فهناك مدن تتربع فوق جبال السروات تكون أجواء الشتاء القارس فيها هي السمة الرئيسية، أما خلال الصيف فيكون الجو معتدلاً جميلاً يبعث في النفس الأمل والنشوة، فشتاؤها ربيع وصيفها بديع، وفي مدن الجنوب مثل أبها والباحة وبلجرشي والنماص وغيرها تكون الأجواء باردة على مدار العام، ناهيك عن المشاهد الطبيعية التي تأخذ بالألباب مما يجعلها مقصداً لهواة السياحة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو من الزائرين، وتضم مدينة أبها العديد من المتنزهات مثل متنزه السودة الوطني الذي يقع فوق جبل السودة.
ويوجد بمدينة أبها العديد من الفنادق والفلل والشقق المفروشة، وفي مدينة الباحة وبلجرشي والمندق عدد لا بأس به من الفنادق والشقق المفروشة.
وفي هوة سحيقة محاطة بالجروف الصخرية الحادة من جميع الجهات تبعد عن أبها بمسافة تقارب (52 كلم) يقع متنزه الحبلة في موضع قرية كان سكانها يخرجون ويدخلون هذه قريتهم عن طريق الحبال، وينقسم هذا المتنزه إلى قسمين الأول فوق الجروف الصخرية والآخر مكان القرية، وتم ربط الجزءين معاً بعربات التلفريك، ولا ننسى متنزه المحتطبية الذي يضم عددا من البحيرات والشلالات الطبيعية.
والسحر والجمال الذي لا يفارق النماص التي بها قصر المقر ذي الطراز الأندلسي، وقد بني من حجر من جبال عسير، وهو فندق يعد تحفة معمارية رائعة تمثل كافة فنون العمارة الإسلامية على مر العصور، وبه حدائق معلقة تذكر السائح بحدائق بابل في سالف العصر والزمان، ثم سبت العلايا وبلجرشي حيث يقع متنزه القمع، وعبر خط التلفريك الذي يمتد حوالي (3.5 كم) يستطيع السائح أن ينتقل بين مناخين مختلفين تماماً خلال دقائق.
أما الباحة، وما أدراك ما الباحة فإنها تحتل موقعاً فريداً على الخارطة السياحية الوطنية، ففيها غابة رغدان التي تطل على أغوار تهامة، حيث تلثم السحب قمم أشجارها الندية، وعلى مقربة منها تجد قرية (ذي عين) الأثرية الواقعة في سهل تهامة وتبعد حوالي من 40 إلى 50 كم عن مدينة الباحة، وتشتهر هذه القرية بمزارع الموز وعين الماء التي تجري مشكلة جدولاً يروي المزارع، وقد اهتمت الهيئة العليا للسياحة بهذه القرية فحولتها إلى متحف ومتنزه، وفي الباحة العديد من الفنادق والشقق المفروشة.
ويقع متنزه الحبقة عبر الطريق الرابط بين الباحة وعبر مدينة بلجرشي ويبعد عنها قرابة (30 كلم) وتنتشر فيه شجيرات الحبق ويتميز بمياهه الجارية، ناهيك عن غابات بني حسن ودوس في بلاد زهران التي يرتادها الزوار القادمون عبر الخط السياحي.
والسياحة في بلادي سياحة تحافظ على ثوابت الأمة، على العادات والتقاليد، وهي حق للجميع.
وحبذا لو أعدت الهيئة العليا للسياحة برامج سياحية للمواطنين إلى هذه الأماكن التي تزخر بها بلادنا، عبر وكالات السفر والسياحة وتحت إشراف مراقبين منها للعمل على إنجاحها وتلافي أوجه القصور فيها، ولا ننسى دور البلديات في توفير الخدمات مثل الإنارة والنظافة للمتنزهات والمواقع السياحية، وننصح السائح نفسه بأن يراعي أبسط القواعد الإسلامية فالنظافة والمحافظة عليها من الإيمان، ولا ننسى دور الوزارات المختلفة في العمل على التنشيط والجذب السياحي برعاية الطرق للمسافرين بالبر وتأمينها وتزويدها بالخدمات الضرورية ودور الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في الحفاظ أيضاً على هذه البيئات الطبيعية، وإذا كان اليوم مشرقاً فالغد إن شاء الله أكثر أملاً وإشراقاً.
فإذا استمتعت أخي السائح بهذا الجمال الرباني في دنياك فلا تنسى قوله تعالى {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}. وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا. وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا. وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا } (13-17) سورة الإنسان.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقدم جزيل الشكر والعرفان لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن محمد بن سعود على ما بذلوه ويبذلونه في منطقة الباحة لخدمة السياح وتقديم التسهيلات اللازمة لهم، والشكر موصول لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير على جهوده المتألقة في الوصول بالسياحة بمنطقة عسير إلى المستويات العالمية وشكري وتقديري الخاص لصاحب اللمسات السحرية في تطوير السياحة في بلادي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، وفق الله الجميع لخدمة هذا البلد المعطاء تحت لواء خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله من كل سوء.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل الجنة إنه سميع مجيب.
- الرياض
alkatbz@hotmail.com