من المفارقات الظريفة التي يجدها الإنسان في نفسه أن يكون مناقضاً لما قد يتوقعه الناس منه: الفقير إلى الله (أنا) مدرب معتمد للحوار على مستوى المملكة ولكني حينما أجريت اختباراً على نفسي في مدى قدرتي على الحوار اكتشفت أنني حصلت على درجات متدنية جداً في فن الحوار وفق أصوله الصحيحة.. يا للمفارقة! كيف بفاقد الشيء أن يعطيه؟! من يتابع أخبار مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حالياً يلمس الجهد المبذول -حقيقة- لنشر ثقافة الحوار بواسطة مدربين معتمدين ومؤهلين (مثلي) ولكني في الوقت نفسه أرى أن المركز يتأخر كثيراً في تغذية هؤلاء المدربين ببرامج تجريبية مكثفة ومطالبتهم بتدريب التلاميذ في المدارس وكافة أفراد المجتمع أيضاً، فالمجتمع بكل صراحة يعاني من أزمة حوار حقيقية، ما عليكم إلا متابعة القنوات الفضائية الحوارية، وسيذهلكم المستوى الذي وصل إليه الحوار في بلدان عربية كنا ننظر إليها بإعجاب، أما مواقع الإنترنت فهي تعكس المستوى الحقيقي الذي لا تستطيع القنوات الفضائية إظهاره مطلقاً فهل نعيش أزمة حوار؟!
هذا ما يجب أن نركز عليه ولدينا مركز مهم مثل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فالكل يعرف أن الحوار الناجح كفيل بحل كثير من المشكلات التي تتعرض لها الأسرة، ومعظم المشاكل الزوجية تنشأ نتيجة انقطاع حبل الحوار بين الزوجين، فتتراكم المشاكل الصغيرة وتتحول إلى كرة ثلج نتيجة انقطاع الحوار في مرحلة مهمة من الخلاف الزوجي.
دعونا نتحاور حتى لو اكتشفتم أن مستوى حواركم قريب من النتيجة التي حصلت عليها سابقاً، فالحوار -كما تدربت عليه- لا يعني فرض الرأي أو إلزام الطرف الآخر بقوله، بل هو عرض بضاعتك العقلية وفق أدواتك، والحوار هو الجسر الذي يوصلنا إلى قلوب الآخرين بشرط ألا تكون مثل أصحاب النهر وهذه قصة قديمة تقول: إن ثمة نهرا كل من شرب منه يصاب بالجنون فشربت القرية كاملة منه وأصيبوا بالجنون ما عدا أحد الرجال لم يشرب منه، ولكن هذا الرجل وجد صعوبة في التفاهم مع أبناء قريته، فالحوار بين العاقل والمجنون كالمباراة بين البرازيل ومنتخب مكاو، لا بد أن تكون من طرف واحد، المهم بعد أن فشل هذا الرجل في التفاهم مع هؤلاء قرر في النهاية أن يشرب من ذات النهر فلما شرب منه وعاد إلى أبناء قريته يحدثهم نظروا إليه بإعجاب وقالوا له: الآن عدت إلى عقلك أيها الرجل المجنون!
mk4004@hotmail.com