Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/07/2008 G Issue 13081
الثلاثاء 19 رجب 1429   العدد  13081
هذرلوجيا
حضارة الصحراء الجديدة
سليمان الفليح

لو لم يكن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يكتب القصيدة الشعبية التقليدية التي تتصف بالسهل الممتنع لقلت بأنه أعظم شاعر سريالي (واقعي) في هذا العصر، وبالطبع قد يسألني القارئ هنا كيف جمعت السريالية بالواقعية في هذا الوصف المتناقض حقاً لا سيما إذا عرفنا أن السريالية تخضع إلى سطوة الحلم واللا معقول وإطلاق قدرة المخيلة في اللا محدود واللا متخيل أيضاً وإطلاق حرية العقل الباطن ليملي ما يشاء من أخيلة في منطقة اللاوعي الكلي.. بينما الواقعية هي الخضوع التام والشامل إلى إملاءات (العقل) بكل يقظته وتخطيطه وبالتالي الانقياد إليه بكل ما يمليه على المرء من تصورات مقننة ومدروسة ومتقنة أيضاً، وهنا قد يتساءل القارئ عن شساعة الفرق بين التفكيرين السريالي والواقعي بل وتناقضهما الصريح.

***

صحيح أن السريالية كمدرسة فنية أنجبت سلفادور دالي وماغريت في الفن التشكيلي وأنجبت من جانب آخر بريتون -أو هو أنجبها بشكل أدق- إلا أنها تمادت بالإيغال في الحلم لتصل إلى (تريستان تسار) ليوصلها بدوره إلى الدادائية التي تعتبر أقصى حلماً من السريالية ذاتها. إلا أن العقلانية (الواقعية) ظلت تراوح في حدود الممكن والملموس والمؤطر والمعتاد إلى أن اندمج الحلم بالعقل بفضل المخترعات الحديثة التي لم يكن يتصورها العقل الواعي لولا وجود حالمين حقيقيين جسدوا الحلم حقيقة على أرض الواقع، أي بمعنى آخر أن الذي اخترع الكمبيوتر هو شاعر حالم وروائي خيالي اسمه إسحاق عظيموف الذي تصور أن هنالك آلة صماء تفكر بما يفكر فيه الإنسان، وكذلك فعل الاخوان (رايت) في تخيلهم بأن ثمة غرفة من الحديد يجلس فيها أناس وهي تحلق بهم في الفضاء.

وكذلك فعل غرهام بل، بل وحتى آنيشتاين أيضاً، أي أن هؤلاء الرجال الأفذاذ والحالمين هم الذين أسعدوا البشرية بأحلامهم من خلال تجسيدها على الواقع وبالطبع إذا ما نظرنا إلى الفكر العربي وحتى نتاجه الفني فإننا لا نرى أثراً للسريالية أو الحلم فيه لذلك وقف عن قدرة الاختراع إلى يومنا الحاضر (ودعونا من ابن فرناس) لأننا اليوم ملزمون حقيقة بأن نصفق للشيخ محمد بن راشد (الشاعر، الفارس، الفنان، القيادي، الحالم، في كل خطوة يخطوها للأمام لأننا أصبحنا نثق بقدرته الهائلة على تجسد الحلم -واقعاً- كيف؟! إلى الآن وكما كنا نتصور قبلاً باستحالة طيران الغرفة الحديدية (الطائرة) وأصبحت في حياتنا المعاصرة واقعاً ملموساً، فإننا وإلى قبل مدة لم نكن نتصور أن ثمة مدينة تعوم في البحر، وقبلها لم نك نصدق أن بمقدور المرء أن يصل إلى غرفته إلى الفندق بقارب خاص (!!) واليوم ونحن لم نتقبل بعد ميلان (برج بيزا) المائل هأن الشيخ محمد بن راشد يقيم برجاً يدور حول نفسه وبالطاقة الشمسية فيا للروعة والعجب، وحتى لا يظن القارئ أنني أسوّق لذاك المنجز أو أتملق الشيخ بلا سبب.. هأن مجموعة (360) درجة العالمية -هكذا اسم الشركة- بدأت بأعمال الحفر الحقيقي لمشروع برج (55) هكذا اسمه أيضاً والذي يدور حول نفسه (360) درجة كل سبعة أيام وذلك بعد حصول تلك الشركة على الترخيص اللازم من هيئة التنظيم العقاري ودائرة الأراضي والأملاك في دبي في 8 أغسطس المقبل (!!)

***

على أي حال أن أحلام وطموحات الشيخ محمد بن راشد لا تجد في الشأن المعماري والعقاري والتجاري، بل إنه في كل يوم يأتي بالأعاجيب، وهنا قد يتساءل أحد (المتنطعين) الحاسدين الذين يكرهون النجاح (الخليجي) بشكل خاص: هذه كلها تندرج في البنية التحتية ولكن ماذا عن البنية العليا (السياسة، الفكر، الإدارة، الفن) والجواب هو أن الشيخ أيضاً قد أقام مدينة للإعلام، ومدينة للتراث، وصندوقاً لدعم الإبداع العربي، ومؤتمراً سنوياً لجائزة الصحافة، وأخيراً أقام (بيت الشعر).. فماذا تبقى أن نقول سوى أنه يساهم بالفعل في تأسيس قيام (حضارة عربية) حديثة وهذا هو الأمل والمأمول.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7555 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد