قلت في المقالة السابقة إنني وأثناء التسكع في مدينة عمّان الجميلة التي يبهرك كل شيء جديد فيها، حيث المباني الحجرية البيضاء المنحوتة من صخر الجبال، وأسواق (المولات) التي تُسابق الخليج في الانتشار والامتداد والارتفاع، وحيث أحدث السيارات الفارهة التي تجوب أرجاء المدينة، وحيث الكرم البدوي وجفنات (المنسف) التي توضع على الطاولات للأضياف، أقول إنني قلت في نفسي (مالك يا ولد وكل هذا!)، فالحديث عن المال والاقتصاد ليس لك، إذ ليس لك سوى الشعر والفقر منذ أن ولدت وإلى أن تموت وإلى أن تبعث حياً إلا ما شاء الله، لذلك رحت أحدث أستاذي في الصحافة مصطفى الوليد مدير التحرير السابق لجريدة السياسة الكويتية عن مؤلفاته السريالية المبدعة وطلبت منه أن يهديني منها ما توفر لأنني بحاجة إلى قراءتها ثانية بعد هذا العمر، ولكنني تذكرت أن مصطفى هو من أهم المحللين الاقتصاديين في المنطقة حينما كان ينشر تحليلاته المكتوبة بأسلوب أدبي فني سريالي(!!) وذلك في زاويته الشهيرة (الجهات الأربعة)، لذلك لست أدري كيف سحبني بالتدريج ليحدثني عن التحولات الاقتصادية في المنطقة العربية، وأن المال العربي اليوم يتجه إلى (عمّان) حيث الأمان مثلما اتجه سابقاً إلى دبي، لذلك قلت له يا أبو صطيف دعني من كل هذا، ما هي أخبار أصحابنا الصعاليك في هذه المدينة التي تركض باتجاه عامودي مثلما تركض باتجاه أفقي؟ وأضفت أريد أن أقتفي آثار أهمّ صعلوك في أدبنا المعاصر، وأعني بذلك (عرار) شاعر الأردن الكبير الذي لم يأبه بالمناصب والجاه، لذلك نذر نفسه للدفاع عن أحوال الصعاليك. أليس هو القائل عن المرابين: |
يا رهط شايلوك من يأخذ بناصركم |
يقضي على الحق والإخلاص والدين |
(أن الصعاليك أخواني وهم |
لمثل هذا الزمان الزفت (خبوني) |
|
(أيها الباكي على أوطانه |
لا يرد النوح للميت روح |
بارك الظلم وصفق للأسى (!!) |
فهما نصر لدى البعض وفتح) |
ثم سألني مصطفى عن الحال فقلت لا أريد أن أقول كما قال عرار: |
(ويسألونك عن حالي أماشيه؟ |
فقلت لهم بلا ولكني إلى ورا) |
وذلك لأن حالي والحمد لله (عال العال). |
ولكن دعني أسألك عن يحيى محمود، مازن شديد، نبيل غزاوي، فقال حي الدنيا بخير!! |
فقلت: الخير يبدو عليك يا أبا سطيف، والخير في الحياة أن نلتقي مهما بعدت بنا المسافات. |
|