كثيراً ما يثار في أدبياتنا ونقاشاتنا اليومية قضية جلد الذات والتي أضحت بمثابة الحصانة المانعة لتناول الكثير مما يطفو على سطح مجتمعنا من إشكاليات وقضايا خلقتها ثقافات التمترس والتسطيح والانهزام والارتباك وغيرها من جزيئيات ثقافية تجدها في أجساد كل المجتمعات والشعوب, وحتى لا يتفرع بنا الحديث وتتشعب بنا طرقة نقول: إن الفكر العربي وفي كثير من سيرته الذاتية ومساراته العقلية قد اعتاد على تسطيح الأمور وتعويم الحقائق إما لإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه أو لأجل التهرب من تكلفة تبويب الحلول وتنفيذها فغيب التشريح الأكاديمي للظواهر واستبدل ذلك بمعالجات وهمية سطحية لا تتوافق مع طبيعة المشكل واحتياجاته, ولا يغيب عنا القول إن مسارات التعامل مع ما ينضح به إناء واقع المجتمع العربي قد تفاوت بين سوداويات جلد الذات وإضفاء اللون القاتم على الصورة وبين بعض قشور النقد الهادف الذي غيب عنه الطرح العلمي, وبين هذا وهذاك تأتي أيضا الاتهامات الجاهزة والمعلبة بممارسة جلد الذات والتي يتخذها البعض لإحباط كل مشروع نقدي وان كان خالياً وبريئاً من ذلك. جميعنا شاهدنا الفيلم المصري (حين ميسرة) والضجة التي أحدثها التي وصلت إلى حد اتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر لما كان فيه من كشف واضح لبعض الإشكاليات في المجتمع وما تلاه من اتهامات بممارسة جلد الذات وتعريتها إعلامياً وسينمائياً وردود الفعل التي توالت بعده وما ذاك إلا خير دليل على مدى الإشكالية التي تعانيها الفكرة النقدية في العالم العربي. إن أكثر ما يحتاج إليه الواقع العربي والاجتماعي منه بالذات, هو خلق نسق جديدة من طرق التعامل مع الظواهر والإشكاليات تكون مبنية على أسس علمية في تفسير كوامن القضايا وتحديد مسبباتها بناء على طرق علمية سليمة تنتهج أسلوب النقد الهادف المذيل بنقاط الحلول والمعالجات, نقداً علمياً تحميه استقلاليته من اتهامات جلد الذات والإرجاف ويساهم في تصويب سهام الحلول إلى قلب المشاكل بعد معرفته الكاملة بفسيفسائها وتعريفاتها الإجرائية, عندها يمكن القول إننا قد انعتقنا من ممارسات جلد الذات وأيضاً من عصا اتهاماتها الغليظة بعد أن نكون قد كونا نظرة نقدية محايدة حول قضايانا الاجتماعية وحددنا طرق التعامل معها على أساس من القوة العقلية بحيث نتعامل مع المشكلة والظاهرة من غير أن نصنع مشكلة جدلية جيدة.