ذات زيارة للإمارات العربية حين ملتقى تربوي شاركت فيه...
استوقفتني من ترحب بي باسمي وتسألني عن أحوالي ومنجزات الجامعة ونشاط الزميلات العلمي ولم أكن قد تعرفت عليها..
بل لم تسعفني الذاكرة باسمها أو ملمح لشخصها.. ولم تكن لتفعل...
كما لم يكن من وقت والفريق توقف ينتظرني عند المصعد.. وليس من اللائق أن أستمر في الإصغاء لها وهم كذلك فاعتذرت لها وفي داخلي تساؤل عنها: ترى من تكون؟... ووجدتني أقول في نفسي لعلني أتعرف عليها من الأوراق والكتيبات التي دستها بسرعة بين يدي وواعدتني بالمهاتفة...
وفي لحظة الاستراحة عبرت بكل ما تركته في يدي فإذا بها تعمل لصالح مجموعة تقوم بإمداد الباحثين بالمراجع وبخطط البحوث ثم المفاجأة الكبرى بإعداد البحوث مقابل مبلغ مالي يتفاوت حسب الموضوع وحجمه ونوعه وعينته ومجاله ولغته في بلد عربي لم يكن الإمارات...
الغريب أن جميع أعضاء الفريق يومها كان حديثنا في الصباح على طاولة الإفطار عنها وعن أوراقها... بل تأكدنا جميعنا بأنها قد حصلت على أسمائنا وعناويننا بل بريدنا عن طريق الفندق بعد أن قدمت نفسها هناك على أنها مشاركة في الندوة التربوية... إذ تمنح هيئة المطبوعات التي معها اطمئناناً شكلياً بصدقها...
وقيل لنا إن هذه السيدة وزملاءها مستمرون في ملاحقة أي ممن يشاركون في أي مؤتمر هناك بالطريقة ذاتها بل معها رجال آخرون يقومون بالمهمة.. يومها كتبت عن هذا الأمر لبعض المسؤولين عندنا في الجامعة وتحدثت مع الزميلات أعضاء مركز البحوث الخاص بجامعتنا وعميد كلية التربية للإحاطة فوجدت الكثيرين على بينة من أمر هؤلاء المتحايلين على النزاهة البائعين لضمائرهم المغررين بمبتدئي البحث في العالم العربي...
واستمرت رسائل بريدهم ترد حتى عرفوا أن خطاباً قد وجه لجهة رسمية في بلادهم بشأنهم فتوقفت محاولاتهم مع النزهاء حيث يكونون...
وبدأنا في الجامعة نسعى لبناء الضوابط السلوكية ضمن مناهج تدريسنا إذ بات على كل أستاذ أن يكون مصدر توعية لطلابه...
المضحك المؤلم أنني كنت أتصفح مطبوعة (الرسالة الإعلانية المجانية) التي توزع مع الصحف قبل يومين فإذا بي أقرأ هذا الإعلان: في صفحتها 21 عدد يوم 26-7- 2008 ونصه: (مطلوب متخصص لإعداد بحث ماجستير باللغة الإنجليزية 4000 كلمة عن كيفية عمل مشروع تسويق لسلعة أو خدمة...) والغريب أن الإعلان مزود برقم الهاتف وكأنه أمر مشروع... وقد قيل لي إن نماذج هذا الطلب قد ترد... فخشيت من التساهل في الأمر ومن ثم ضياع الضوابط الخلقية وقيم الأمانة والصدق...
هناك من يقول إن البحوث العلمية عادة تعد تحت إشراف وتوجيه... أو إنها قابلة للنقاش وإضافة الآراء القرينة...
أو الاستئناس برأي باحثين آخرين وهو مسلك متعارف عليه... فيه نهج لتعزيز الباحث لكنه يقوم على مبدأ تحقيق الأمانة... وذلك بتوثيق ما هو منصوص عليه في ثبت المراجع حين يستعين الباحث برأي الآخر... أو يقدم لمن أمده برأي أو عون - لا يدخلان في جوهر البحث - الشكر منصوصاً في مقدمة البحث... كما إن هناك من لا يحسن الطباعة فيوكل بحوثه لمن يطبعها ويقدم له مقابلاً مادياً نظير جهده في الطباعة وهو أمر متعارف عليه... كذلك قد يعيْن الطابعُ الباحثَ في لفت نظره لأخطاء ما أو سقط ما ولا غبار في ذلك... لكن أن يطلب أحدهم من يعدُّ له البحث كاملاً فهذا ما يجعل ناشئة الباحثين يجترئون على كسر الضوابط... وانفلات الأخلاق...
ولأن الطلب قيد البحث بالدرجة العلمية الماجستير تحديداً فإن الأمر محير ومقلق...
فما السبيل الأجدى لكبح هذا النقض لقيم مهمة في داخل المؤسسات العلمية؟