رغم مرور ما يزيد على (60) سنة على وقوع النزاع العربي الإسرائيلي على إثر قيام الغرب ممثلاً في الحكومة البريطانية بإيجاد وطن لليهود في فلسطين حيث تم تنفيذ وعد (بلفور) وزير خارجية بريطانيا (آنذاك) سنة (1948م) بقيام دولة إسرائيل....
والذي أدى إلى وقوع ثلاثة حروب بين الدول العربية وإسرائيل هي حرب 1948 وحرب 1967 وحرب 1973م ورغم تشرد الشعب الفلسطيني في بعض الدول العربية ودول أخرى في العالم، وصدور قرارات المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن الدولي بحل مشكلة هذا الشعب وحل القضية الفلسطينية عندما أصدر بعد حرب (1967م) مباشرة قراران يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة واتفاقية أوسلو السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك الجهود التي بذلها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في سبيل إيجاد حل لهذه القضية والمبادرة العربية التي اقترحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وهي مبادرة منطقية وعادلة تهدف إلى حفظ حقوق الشعب الفلسطيني وعودة أراضيه ولاجئيه وفي نفس الوقت الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها، يضاف إلى ذلك الاتفاق الذي تم بين المجموعة الرباعية وتضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة فيما يعرف بخارطة الطريق وكذلك الوعود التي طرحت بأنه بعد إسقاط نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين سوف يتم العمل وبشكل جدي لحل نزاع الشرق الأوسط وجهود الرئيس الأمريكي بوش الابن الأخيرة خلال زيارته للمنطقة.
إذا رغم هذه المقومات والجهود التي بذلت في سبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهي قرارات مجلس الأمن واتفاق أوسلو وجهود الرئيس كلينتون والمبادرة العربية وخارطة الطريق وسقوط نظام الحكم العراقي وجهود الرئيس بوش، لماذا لم تحل القضية حتى الآن؟ ولماذا لم ترغم إسرائيل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي كما يتم بالنسبة للدول الأخرى؟
إن الحل بعد هذه الجهود سهل وميسر إن كانت إسرائيل والمؤيدون لها تتوفر لديهم الجدية في الوصول إلى ذلك وهو الانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1976م بكاملها بما فيها مدينة القدس الشرقية والتي يوجد بها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهو مطلب مشروع حسب الشرعية الدولية مقابل الاعتراف بإسرائيل كدولة في المنطقة من حيث سيادتها وحقها في الأمن، إلا أن إسرائيل تتصرف بعيداً عن تحقيق هذا الحل السهل والفرصة المتاحة لها بعد أن كانت قبل حرب سنة (1976م) وعندما كانت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة في حوزة العرب تتمنى اعتراف العرب بها وقبولهم بوجودها وحالياً فإن بعض العرب اعترفوا بها والبقية سيقومون بذلك إذا تحقق الانسحاب الكامل حسب المبادرة العربية، كما أن الفلسطينيين تفاوضوا مباشرة معها وقاموا بتعديل ميثاق منظمتهم لكي يسمح بوجود إسرائيل بعد أن كان هذا الميثاق ينص على أن مساحة فلسطين من البحر إلى النهر كما أن المؤيدين لإسرائيل قد جمدوا الجهود المبذولة للحل وآخرها خارطة الطريق مما يعني عدم توفر الجدية لديهم للوصول إلى حل هذه المشكلة التي تعتبر من أكبر المشاكل العالمية والتي حلولها واضحة وجلية إذا توفرت النية الصادقة والجدية لتنفيذ هذه الحلول.
لقد بذل القادة الفلسطينيون ومنهم محمود عباس جهوداً واضحة في سبيل الوصول إلى السلام إلا أن إسرائيل بدلاً من التجاوب مع ذلك فإنها مستمرة في مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني وعمليات الحصار والدمار والتجويع والقتل بما في ذلك اغتيال القادة الفلسطينيين والذين كان منهم قائدي حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وهو دليل آخر على أن إسرائيل قد دخلت مرحلة اليأس والعجز عن مواجهة المقاومة الفلسطينية وهو أسلوب بالتأكيد غير ناجح ولم يحقق لإسرائيل شيئاً بل بالعكس إن مردوده سيكون سلبياً على إسرائيل بزيادة رد الفعل الفلسطيني والعربي والإسلامي تجاهها، فالفلسطينيون كلما انتقموا من إسرائيل بسبب عملياتها اللاإنسانية تجاههم أو بسبب قيامها باغتيال قادتها يعقب ذلك أن تقوم إسرائيل بالرد على الانتقام الفلسطيني عن طريق الدبابات والجرافات والطائرات وذلك بمهاجمة الفلسطينيين العزل في أسواقهم ومساكنهم والنتيجة أن الذي يدفع الثمن هم المدنيون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لقد جربت إسرائيل من أجل ما تدعيه حول ضمان أمن شعبها سياسة الحصار والدمار والأسر والقتل أو ما يعرف بإرهاب الدولة ولم توقف هذه السياسة نشاط المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني وذلك لسبب بسيط وهو أن تحرير الأوطان واسترجاع الحقوق يعد من أهم المطالب والحقوق الإنسانية ولا يؤثر عليه أو يوقف عجلته اختفاء شخص أو شخصين أو أكثر حتى لو كانوا من الشخصيات القيادية؛ لأن أي مقاومة إنما تنطلق من مبادئ راسخة ومجردة تتمسك بنيل الاستقلال والتخلص من الاحتلال واستعادة الحقوق، ولهذا السبب فإن مقاومة الشعب الفلسطيني سوف تستمر إلى أن تتحقق له هذه الأهداف، وعلى إسرائيل أن تدرك بأن أسلوب الرد عن طريق الاغتيالات أو المداهمات أو القذف بالطائرات لن يعود بالفائدة عليها وعلى شعبها، وأن عليها التفاعل مع نداء السلام.
إن الفلسطينيين والعرب قدموا الكثير من التنازلات في سبيل الوصول إلى السلام وهي التنازلات التي كانت تطالب بها إسرائيل لكي يتحقق السلام ومنها شطب ما ورد في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية المتضمن المطالبة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر وهو ما تحقق حيث اكتفى الفلسطينيون بعد هذا التنازل بالمطالبة بالضفة الغريبة لنهر الأردن وقطاع غزة كما هما حسب حدود الرابع من يونيه سنة 1967م لإقامة دولتهم إلا أن إسرائيل بدلا من أن تقابل ذلك بالتقدير لهذا الموقف والمبادرة بالانسحاب الفوري من الأراضي الفلسطينية فإنها قد سلكت موقفاً معاكساً يدل على عدم رغبتها في السلام ومنح الفلسطينيين حقوقهم بما في ذلك الانسحاب من أرضيهم فقد طالبت إسرائيل بالدخول في مفاوضات.
وقد أثبتت الأيام أن تلك المفاوضات طويلة ومعقدة وتعجيزية ولم تسفر حتى الآن عن شيء مفيد للفلسطينيين، كما أن إسرائيل قد زادت من وتيرة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس الشرقية التي يوجد بها المسجد الأقصى المبارك، كما أنها أقامت الجدار الفاصل في داخل تلك الأراضي، ولذلك فإنه لكي يعيش شعب إسرائيل في أمن وسكينة فإنه على حكومة إسرائيل أن تسلك الطريق الصحيح لذلك وهو الانسحاب من الأراضي المحتلة بكاملها سنة 1967م بما فيها القدس لكي يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم عليها وهو الأمر الذي يتمشى مع اقتراح الرئيس (جورج دبليو بوش) ومع المبادرة العربية للسلام التي طرحت من قبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله، حول إقامة الدولة الفلسطينية وبالتالي يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في أمن وسلام واستقرار كالشعوب الأخرى ذلك أن إيجاد دولة فلسطينية في أرض فلسطين بالإضافة إلى دولة إسرائيل يتمشى مع كون فلسطين وطناً قومياً للإسرائيليين والفلسطينيين، فالإسرائيليون استوطنوا فلسطين بعد أن هاجر إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام من موطنه بابل بالعراق، حيث رزق فيها بولده الثاني إسحاق عليه السلام وهو جد اليهود، كما أن الفلسطينيين كانوا موجودين بفلسطين قبلهم حيث كانوا يعرفون بالكنعانيين نسبة إلى كنعان بن نوح عليه السلام.