صديقتي كنت على موعد معها لأودعها وهي تتجه لرحلة صيفية تطول... قالت إنها ستستمد مني بعض سكينة لعبء الطريق...
ثمة ما أقصاني عن الموعد فإذا بها تهاتفني لحوار جميل تعودت فيه أن نتخاطر بما شئنا من محبرة الحياة تلك التي نعب من مدادها ونسجل أيامنا...
سألتني إن كنت سأرحل لأغير وجه المدينة... أو أطعم جوف النفس...؟ أكدت لها ما تعهده من نظرتي للسفر... فهناك خطوات تقفز بها الروح حيث تشاء دون أن تحمِّل القدمين رهق المسافات... ضحكت صديقتي وهي تخبرني بأنها قررت أن تجرب هذا الرحيل ... فالرحلة مع النفس في منأى عن زحمة الشوارع وتعددية الوجوه وتداخل الأصوات وعبء المسؤوليات.
رحلة مثمرة..
كثيراً ما قلت لصديقتي إن المرء الذي يغتسل بالماء ليذهب أغبرة الطرق وعرق المكابدة وجهد الطرقات عن جسده لابد أنه يحتاج إلى أن يغسل جوفه.. وحين سألتني ما الماء القراح الذي يمكنه أن يصل للنفس ولروحها ولشعورها، بل لمكامنها الخفية في جوفه...؟ قلت لها ينابيعه عديدة وماهيته مختلفة وهو من نعم الله تعالى في أسرار كونه ومعطياته تعالى لخلقه...لكنني تركت لها أن تتخير نوع الماء الذي يناسب جوفها وموعدها الخاص الذي تتخذه لغسله...
ولم تكن تذكر هذا الحوار إلا حين قرارها لمغادرة الدار في اتجاه مركبة السفر... وتعود في حواراتها الموسمية عن السفر معي تتعهد بأن ترحل صيفا ما نحو داخلها... تفرغ له من الوقت ما تعيد فيه ترتيبه وتوظف له من الانتباهة ما تمنحه احتياجاته من كل شيء حتى موعد الماء ونوعه ونبعه فتطهيره...
صديقتي قبل لحظات أعادت حقائبها قبل أن تزج فيها بشيء وقررت البقاء مع نفسها لتبدأ الرحلة لداخلها.
-يتبع-