للإعلام رسالة يجب أن تصل إلى الناس، هذا من البديهيات التي تعلمناها منذ صغرنا، وهو من العبارات الدائرة التي نسمعها يومياً، خاصة في ظل الزخم الفضائي وكثرة القنوات التي تزحم حياتنا، فغالب هذه الفضائيات لا تمل الحديث عن الرسالة الإعلامية التي تقدمها بطرح ذلك كلما وجدت الفرصة لطرحه، وتختلق في كثير من الأحيان الفرص لتحدثنا عن الرسالة التي تحملها. محاولات إثبات الرسالة الأخلاقية السامية لا تدل إلا على أن هؤلاء متهمون؛ وأن شيئاً يحوك في أنفسهم يجعلهم يحاولون دائماً إثبات حسن نواياهم؛ لكن لندير الريموت قليلاً...
ونسأل أنفسنا: ماذا تريد هذه القنوات أن تقول وأن تقدم؟ لا نعني كل القنوات بالطبع، فهناك قنوات ميئوس منها ولا يرتجى الخير منها وهذه لا تعنينا، لكن نعني بعض القنوات الكبرى التي لها وجودها الفعلي في الساحة الإعلامية ولها تأثيرها الحقيقي.. الذي هو في الغالب وللأسف تأثير سلبي، فخلف كل فكرة تطرح أو برنامج جديد يطل علينا تقف المادة هدفاً أساسياً.
فالربحية هي المقصد، تتفنن القنوات في الوصول إلى هدفها هذا بشتى الطرق ما يخطر منها على البال وما لا يخطر؛ فهناك من الأفكار ما أصبح مطروحاً شائعاً مثل المسابقات التي تدر الأموال بأسهل وأقصر الطرق ولا يدعي صانعوها أنها تحمل رسالة، فهي واضحة ومكشوفة؛ إلا أن القليل لا يستحي عندما يتحدث عن أن المقصود منها هو رفد ثقافة المتلقي بالمزيد من المعلومات؛ والخطير في هذه المسابقات أنها (تلعب) على احتياجات المشاهد، فمن وعد بتمليك سيارة إلى شقة إلى فيلا، وتأمين سيولة جيدة، وهذه كلها احتياجات الإنسان العادية التي لا يستطيع أحد التخلي عنها، ما يجعل الناس يتدافعون للمشاركة في هذه المسابقات وتحقيق أهداف القنوات؛ ولأنها تعمل على استغلال كل نقاط ضعف المشاهد والولوج من أي باب يمكن فتحه؛ فإن هذه القنوات لا تتورع عن دغدغة عواطف المراهقين ومحاولة ملامسة أشواقهم؛ وذلك يظهر ببساطة ووضوح في شرائط الرسائل التي حولت القنوات إلى مجرد منتديات لتبادل ألفاظ الغرام الرخيصة، كذلك عرض برامج تجذب هذه الفئة بالذات باقترابها كثيراً من المحظور، واستغلال ارتفاع نسب المشاهدة في جلب مزيد من الإعلانات.
ولا نقول إننا لن نستثني أحداً من هذه الأحكام، بل نستثني القليل الذي يحاول أن ينأى بنفسه ويقدم رسالة إعلامية حقيقية؛ لكنه قليل لا يقاس عليه.
لا نريد ولا نتوقع أن يتحول البث الفضائي إلى رسائل تربوية وأخلاقية، وأن لا يهتم بمصادر تمويله واستدرار الأموال التي تؤمن مسيرته؛ لكن على ألا يكون ذلك على حساب القيمة والرسالة الإعلامية الهادفة.
