أليس من الأحرى عدم الحديث عن المحزنات، مثل أسعار الأسهم وانقطاع الكهرباء وقلة الماء والتوجه إلى الإبحار في عالم المباهج لا سيما الأندلسية منها. |
ولنبدأ بأحد مباهج عبدالرحمن بن معاوية الأموي الملقب بعبدالرحمن الداخل، فقد استقدم القيان من المشرق إلى الأندلس ومنهن واحدة يقال لها العجفاء، كانت جارية لهارون الرشيد تجيد الغناء مع كونها عجفاء كلفاء ترتدي الملابس الخشنة، فغنت ذات يوم شعراً منه: |
برج الجفاء فأيما بك تكتم |
ولسوف يظهر ما تسر فيعلم |
مما تضمن من غرير قلبه |
يا قلب إنك بالحسان لمغرم |
إلى آخر القصيدة، فما كان من أحد الجالسين إلا أن أخذ قوارير دهن كانت في المجلس فوضعها فوق رأسه، فصاح أحد الجالسين وكان ألثغاً: القوانين، القوانين، فضحك الذي وضع القوارير على رأسه، واصطكت القوارير وانكسرت، وسال الدهن على رأسه وصدره. |
ومع انشغاله بالحروب، فلم يخل قلبه من الحب فقد اشتهر بحبه لجاريته الدعجاء، كما غلبت عليه في آخر عهده أجمل نسائه وأحبهن إلى قلبه وهي أم ولد يقال لها (حلل) وقد أدى نفوذها إلى تولية ابنها هشام ولاية العهد مع وجود من هو أسن منه من إخوانه مثل سليمان وعبدالله الملقب بالبلسن، وحتى نكون منصفين فإن هشام جدير بتولي الأمر بعد أبيه. |
أما الحكم بن هشام المسمى هشام الربض فقد ذكر ابن حزم عنه أنه كان يخصي من اشتهر بالجمال من أبناء رعيته، ليدخلهم إلى قصره ويجعلهم من خدمه، وكان له خمس جوار قد استخلصهن لنفسه وملكهن أمره وتغاضبن عليه وقتاً وهجرنه من باب الدعاية والدلال. |
|
ظل من فرط حبه مملوكا |
ولقد كان قبل ذاك مليكا |
إن بكى أوشكا الهوى زيد ظلما |
وبعاداً يدني حماما وشيكا |
تركته جآذر القصر صبا |
مستهاماً على الصعيد تريكا |
يجعل الخد واضعا فوق ترب |
للذي يجعل الحرير أريكا |
هكذا يحسن التذلل في الحب |
إذا كان في الهوى ملوكا |
وأغضب عبدالرحمن الأوسط محظيته (طروب) ذات يوم فهجرته وصدت عنه تمنعاً، ولزمت مقصورتها، وحاول إرضاءها بكل وجه فأعياه ذلك، فأرسل من عبيده (الخصيان) من يكرهها للنزول إليه فأبت، وآلت ألا تخرج إليه طائعة، فانصرفوا إليه وأخبروه بأمرها، واستأذنوه بكسر الباب والدخول إليها فنهاهم عن ذلك، وقام مع بعض الخصيان إلى باب مقصورتها وأمر بإحضار أكياس الذهب وسد الباب من خارجه بتلك الأكياس، وأخذ في استرضائها، وأقر لها بما سد به الباب من ذهب إن هي فتحت الباب فوافقت، ففرح برضاها ومنحها ما وعدها به، وزادها حليا بقيمة مائة ألف دينار، فقيل له: إن مثل هذا لا ينبغي أن يخرج من خزانة الملك، فقال: إن لابسه أنفس منه، وأرفع قدراً، وأكرم جوهرا، وأشرق عنصرا، وفيها يقول: |
إذا ما بدت لي شمس النهار |
طالعة ذكرتني طروبها |
أنا ابن الميامين من غالبٍ |
أشب حروباً وأطفي حروبا |
|