..مكة المكرمة هي أفضل بقعة على وجه الأرض، أكرمها الله سبحانه بأنْ جعل بيته المحرم فيها، فكانت الأفئدة ترنو إليها، والنفوس المؤمنة تهفو لها، وتخفق القلوب عند ذكرها، شوقاً إلى بيت الله الكعبة التي جعلها الله قبلة للمؤمنين بالله المتبعين لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. |
قد حرّمها خليل الرحمن بعد بنائه الكعبة، هو وابنه إسماعيل، وأمره ربّه بأن يؤذن في الناس بالحج، فصعد على جبل أبي قبيس: ونادى إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا..... |
..... فأسمع الله هذا النداء، من كان في الأصلاب، ومن أراد الله له الخير، فقد لبى ذلك النداء، لتقوم الحجة، على من لم يستجبْ بأداء هذه الشعيرة. |
ولن يخرج المتحدّثُ عن فضائل مكة، والأحكام المتعلقة: بالمقيمين فيها، وزوارها لأداء الشعائر حجاً أو عمرة، والمجاورين فيها، ولا فضل العبادة فيها، والطواف ببيت الله الذي جعله الله مثاباً للناس وأمنا، ولا حرمة من يريد فيه بإلحاد، هذا فضلاً عن العمل، فإن الله يذيقه عذاباً مؤلماً، من شدّة الإثم عندما أراد به السوّء، والعبر من التاريخ بهذا كثيرة، وفي مقدمتها جيش أبرهة الذي جاء في العام الذي ولد فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ومعه فيل عظيم، يريد هدم الكعبة، وصَرْفَ الناس عنها إلى بيت بناه بأرض اليمن فأهلكه الله ومن معه، ونزل في ذلك سورة من كتاب الله، وهي سورة الفيل التي تتلى إلى يوم القيامة لن يخرج عما في الشرع، وإن من تجديد المعلومات لدى بعض القراء التحدث عن هذا الموضوع في عَرْضٍ لكتاب صغير، وصلني من أحد الإخوان فهو صغير في حجمه كبير في نفعه، أعدّه القاضي بديوان المظالم بمنطقة مكة الشريف يوسف بن ردّه آل عبدالمحسن الحسني، وجعل حقوق الطبعة لكلّ مسلم، لم تذكر الطبعة ولكن يظهر أنها الأولى في عام 1428هـ، وجاء في أعلى صفحة الطرّة هذه العبارة: صدر بمناسبة تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أميراً لمنطقة مكة المكرمة. يقع في 117 صفحة بالخاتمة الموجزة. |
جعله مؤلفه في خمسة أبواب وخاتمة: الأول نبذة عن مكة المكرمة، والثاني: في فضائل مكة المكرمة، والثالث: الأحكام المتعلقة بمكة المكرمة، والرابع عن أهم المعالم بمكة المكرمة، والخامس، عن معجزات مكة المكرمة. |
ففي المقدمة: ذكر أنّه: لما كان يوم فتح مكة، كان عبدالله بن أمّ مكتوم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الصفا والمروة، وهو يقول: |
يا حبذا مكّة من وادي |
أرض بها أهلي وعُوّادي |
أرض بها أمشي بلا هادي |
أرض بها ترسخ أوتادي |
وقد أشار في المقدمة: إلى أنه لاحظ بأنّ هذه المكانة لمكة لا تجد من يُحْسن تقديرها، والقيام بحقها من بعض المسلمين، وذلك لجهلهم بحرمة هذا البيت، أو غفلةٍ عن بعض أحكامه التي خصّه الله بها. (ص4). |
وذكر عن حدودها: اهتمام الدولة السعودية بذلك حيث رسمتْ الأميال، وبنيت على الطرق لمداخل مكة الأعلام، أما التحديد فقد كان بوحي من الله سبحانه، فنزل جبريل عليه السلام ليُري إبراهيم عليه السلام، حدود الحرم، فوضع عليها أنصاباً، وجُدّدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (بعث عام الفتح أسداً الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم) وجُدّدتْ في التاريخ لكنّ أهمها التجديد السعودي الذي سُخر له إمكانات كبيرة هي جزء من الأعمال الكبيرة والمشاريع الهامة، في الحرم والمشاعر كلها، والاهتمام ببيت الله وخدمته. |
وذكر من فضائل مكة خصالاً عديدة أورد منها (29) خصلة، ذكر منها: أنّ أهل مكة أول من يشفع لهم رسول الله، ومن فضل الصوم في رمضان بمكة قوله صلى الله عليه وسلم برواية ابن عمر: (رمضان في مكة، أفضل من ألف رمضان بغير مكة) (30). |
وأهل مكة أول من يشفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الفضائل التي ذكر: فضل ماء زمزم، أما موقعه فقال: تقع بئر زمزم، بالقرب من الكعبة، وأما فتحة البئر الآن، فهي تحت سطح المطاف على عمق (1.56) متراً، وفي أرض المطاف خلف المقام إلى اليسار، وأنت تنظر إلى الكعبة المشرفة، وضع هناك حجر مستدير، مكتوب عليه بئر زمزم، يتعامد مع فتحة البئر الموجودة في القبو أسفل سطح المطاف. |
أما العيون التي تغذي بئر زمزم: فهي ثلاث عيون: عين حِذاء الركن الأسود، وعين حذاء جبل ابي قبيس والصفا، وعين حذاء المروة، وتحدّث عن نشأة ماء زمزم وبدايتها، وأورد نصوصاً شرعية دالة على فضل هذا الماء المبارك منها: |
1 - ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض لما روى ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير ماء وجه الأرض، ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء من السقم). |
2 - ماء زمزم نبع في أقدس بقعة على وجه الأرض، عند بيت الله الحرام، وقرب الركن والمقام، وقد اختار الله هذا المكان عند بيته المعظم ليكون سُقْياً لحجاج بيت الله الحرام، وعماره وزوّاره وجيرانه. |
3 - ماء زمزم طعام طعم قال القرطبي عند قوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (سورة إبراهيم 37).. قال: أرسل الله الملك، فبحث عن الماء، وأقامه مقام الغذاء، قال ابن القيم: (وشاهدتُ مَنْ يتغذى به: ماء زمزم، الأيام ذوات العدد، قريباً من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعاً، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني من بقي عليه (40) يوماً. |
4 - ماء زمزم شفاء من السّقم، فقد أُثِرَ عن ابن عباس أنّه كان إذا شرب من ماء زمزم قال: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كلّ داء). |
5 - ماء زمزم لما شُرب له، فقد روي عن جابر قال: سمعت رسول الله يقول: (ماء زمزم لما شُرب له). |
وعن الأحكام المتعلقة بمكة ذكره 14-15 حالة منها: تحريم الإلحاد في الحرم، وتحريم القتال وسفك الدماء بمكة وإيذاء قاطنيها. |
تحريم دخول الكفّار والمشركين مكة، ونهي العصاة عن المقام بمكة، تحريم استقبال واستدبار الكعبة عند قضاء الحاجة، وتحريم إيذاء أهل مكة، ولعن المستحل لحرمة مكة، وتحريم غزو مكة، وتحريم أخذ لُقَطَة الحرم إلا للتعريف، وقد تكلّم عن الحالات كلها. |
وقد ذكر ثماني فوائد، وبيّن بعض الأخطاء التري يقع فيها الحجاج والمعتمرون (58-73). |
وتحدث عن مقام إبراهيم، ثم أورد تنبيهاً هو: المشروع عند المقام الصلاة خلفه فقط، كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما التمسح والتبرك به وتقبيله فكلّ ذلك لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشرع لأمته ذلك، قال قتادة: إن الله تعالى قال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} أي إنما أمروا أنْ يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه. |
وأورد جبال مكة المهمة وهي: جبل ثور، جبل قلعة أجياد، جبل عمر، جبل الكعبة، وجبل قعينقاع، وجبل أبو قبيس، وجبل حراء، وجبل خذمة... ثم ذكر المعجزات التي حصلت في مكة. |
وختم هذا الكتاب الموجز الذي حوى معلومات مهمة في مكة بضغط المعلومات وعدم الإخلال بالمطلوب، وحمدا لله على أن يسر إخراج هذا الكتاب الذي كان أملا، فأصبح واقعاً مقروءً - ولفائدته للقارئ، فإنه غير متيسر لأنه طبعه أحد المحسنين، وفي ظني أنه لا يتوفر في السوق لمن يريد الشراء، فكانت الفائدة محدودة. |
|
ذكر التنّوخي في كتابه الفرج بعد الشدة، أنه وجد في كتاب: حدّث القاسم بن كرسوع، صاحب أبي جعفر محبرة قال: كان ابن أبي عون صاحب الشرطة، قد وعد محبرة، أنه يجيئه للإقامة عنده، والشرب مُصْطَحِبا عن ستارته، في يوم الثلاثاء فأبطأ عليه، وتعلق قلب مِحبرة بتأخره، فبعث غلاماً له يطلبه، ويعرف خبره في التأخير. |
فعاد إلى محبرة، وقال وجدته في مجلس الشرطة، يضرب رجلاً بالسياط، وذكر أنه يجيء الساعة، فكما كان بعد ساعة جاء ابن أبي عون، فقال له محبرة: أفسدت صبوحنا، وشغلت قلبي بتأخّرك فما سبب ذلك؟ |
فقال: رأيت البارحة في منامي، كأني بكرت بليل لآتيك؟ وليس بين يدي الاغلام واحد، فسِرْت في خراب اسحاق بن مصعب، لأجيء إلى رحْبة الجسْر، فإني لأسير في القمر، إذْ رأيت شيخاً بهياً، نظيف الثوب، على رأسه قلنسوة، وفي يده عكاز، فسلّم عليّ، وقال: إني أرشدك إلى ما فيه مثوبة، في حبسك رجل مظلوم، قادم من المدائن، في وقت ضيّق، فاتهم بأنه قتل رجلاً، وهو بريء من دمه، وقد ضُرب وحُبس، وقاتل الرجل غيره، وهو في غرفة وسطى من ثلاث غرف مبنية على طاق العكي، بالكرخ واسمه فلان بن فلان، ابعث من يأخذه، فإنك ستجده سكران، عريان بسراويل، وفي يده سكين مخضبة بالدم، فاصنع به ما ترى، وأطلع الرجل المظلوم البائس. |
قلت: افعل، وانتبهت، فركبت وسرت، حتى وافيت رحْبَةَ الجسر، فقلت: ما حدث في هذه الليلة؟ |
قالوا : وجدنا هذا القتيل، وهذا الرجل معه، فضربناه ولم يقر. |
فرأيت به أثر ضرب عظيم، فسألته عن خبره، فقال: أنا معروف بالمدائن بسلامة الطريقة، ومعاشي التّفيج، أنفذني فلان بن فلان من المدائن، إلى فلان بن فلان من أهل بغداد، بهذه الكتب، وأخرج إضبارة، وهي المجموع من الصحف، فدخلت أوائل بغداد، وقت العتمة، فوجدت في الطريق رجلا مقتولاً، فجزت، ولم أدر أين أخذ، فأنا على حالي، إذْ أدركني الأعوان، فظنوني قتلته، ووالله لا أعرفه، وما رأيته قط، وقد حبسوني وضربوني، فالله الله في دمي. |
فقلتُ قد فرّج الله عنك، انطلق حيث شئت، ثم أخذت الرحالة، ومضيت إلى طاق العكي، فإذا الثلاث غرف مصطفة، فهجمت على الوسطى، فإذا فيها رجل سكران، عليه سراويل فقط، وفي يده سكين مخضب بالدم، وهو يقول أخ عليك، وارلكْ، نعم يا سيدي أنا جرحته، أخو القَحْبَةَ، وإنْ مات فأنا قتلته، فأنزلته مكتوفاً، وبعثت به إلى الحبس، وانحدرت إلى الموفق، فأعلمته بالحديث، فتعجب، وتقدّم إلي أنْ أضرِب القاتل بالسياط، إلى أن يتلف، وأصلبه في موضع جنايته، فتشاغَلْتُ بذلك إلى أنْ فرغت منه، ثم جئتك. |
(الفرج بعد الشدة 2: 297 - 300). |
|