استغرب بعض الساسة وكثير من المراقبين انخراط سوريا وإسرائيل في الآونة الأخيرة في مباحثات حول السلام بوساطة تركية.
ووجه الاستغراب أن سوريا وإسرائيل سبق أن أتيحت لهما فرص جيدة للوصول إلى السلام وبالتالي استعادة سوريا للجولان التي احتلت من إسرائيل في حرب سنة 1967م، ومنها تلك الفرصة التي أتاحها الرئيس المصري الراحل أنور السادات لسوريا عند عزمه زيارة .....
..... إسرائيل سنة 1977م وتوقيع اتفاق سلام معها إلا أن سوريا رفضت ذلك ومنها أيضاً الفرصة الجيدة التي أتيحت للبلدين في عهد الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) والذي رمى بكل ثقله السياسي للوصول إلى حل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وقد كادت جهود كلينتون آنذاك فيما يخص حل القضية الفلسطينية أن تنتهي بالنجاح وبالتالي إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني لولا الاختلاف الذي طرأ في اللحظة الأخيرة حول وضع مدينة القدس الشرقية كما أن جهوده كادت على وشك تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل حيث تعهدت إسرائيل بالانسحاب من هضبة الجولان مقابل قيامها بنصب كاميرات مراقبة للتأكد من التحركات العسكرية السورية في الجولان فرفضت سوريا ذلك مما ترتب عليه انهيار محادثات السلام، مع أن سوريا وإسرائيل تعتبران في ذلك الوقت في أفضل حالهما سياسيا فسوريا منفتحة نسبيا على العالم في عهد الرئيس حافظ الأسد، وإسرائيل محكومة من قبل رئيس وزراء متفهم وهو (اسحاق رابين) إضافة إلى أن محادثات السلام في ذلك الوقت برعاية أمريكية وأمريكا كما قال الرئيس أنور السادات تملك (99%) من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط.
أما أن تعود المحادثات بين البلدين في الوقت الحاضر وبدون رعاية أمريكية وكل منهما في وضع لا يحسد عليه فهو الأمر الذي أثار الاستغراب إلى درجة أنه قيل إن سوريا وإسرائيل ليسا جادين في المحادثات الحالية لعلم كل منهما أنه لن يتنازل للآخر عن أي من الثوابت التي يتمسك بها، فسوريا منذ سنة 1967م أي بعد الاحتلال وهي تطالب بالانسحاب من الجولان إلى خط الخامس من يونيو سنة 1967م من دون شرط أو قيد وهو موقف لم يحظ بموافقة إسرائيل التي تشترط للانسحاب من الجولان كما سبق أن أوردنا وضع ما يعزز أمنها كما عملت في اتفاق السلام مع مصر سنة 1979م عندما اشترطت لانسحابها من صحراء سيناء المصرية التي احتلت سنة 1967م أن تكون صحراء سيناء وهي المنطقة المصرية المواجهة لإسرائيل منزوعة السلاح.
إذاً ما هي الأسباب التي أدت إلى انخراط سوريا وإسرائيل في مباحثات السلام الحالية وبرعاية تركية وليس أمريكية، ففي نظر هؤلاء الساسة والمراقبين فإن هذه الأسباب تعود إلى ما تمر به سوريا وإسرائيل من ظروف خاصة، وتأمل كل منهما في أن الدخول في هذه المحادثات سوف يخفف وطأة ما تعانيه كل منهما من تلك الظروف فسوريا تمر بالعديد من الظروف السياسية الحرجة ومنها ما يلي:
* العزلة العربية والدولية التي تعيشها والانفراج الذي حصل مؤخراً مع فرنسا ليس دليلاً على انتهاء هذه العزلة لأن ما حصل في فرنسا هو بسبب تجمع إقليمي شاركت فيه سوريا ودول عربية أخرى.
* تحالفها مع إيران شبه المعزولة دولياً أيضاً بسبب قضية مفاعلها النووي وعلاقتها بحزب الله وحركة حماس اللتين ينظر إليهما من قبل دول الغرب بأنهما منظمتان إرهابيتان.
* خشية نتائج المحكمة الدولية التي شكلت لمحاكمة قتلة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري فقد يكون من ضمن ما سوف يصدر عن المحكمة أحكاماً ضد شخصيات سورية نافذة.
أما إسرائيل فتمر هي أيضاً بالعديد من الظروف السياسية التي شجعت قيادتها الحالية إلى الدخول مع سوريا في هذه المباحثات لتغطية الصعوبات التي تواجهها ومنها ما يلي:
* اتهام رئيس الوزراء الحالي (أولمرت) بالفساد المالي وهو في منصب حكومي، حيث لا يزال يحقق معه في هذا الأمر وقد يؤدي به هذا التحقيق إلى الإحالة للمحاكمة وهو ما يترتب عليه الابتعاد عن الحياة السياسية.
* الآثار السلبية التي ترتبت على فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها من الحرب التي نشبت بينها وبين حزب الله اللبناني في صيف سنة 2006م.
* الخلاف داخل القيادة والأحزاب الإسرائيلية حول مدى أهلية (أولمرت) لقيادة إسرائيل حيث يتهم بالضعف في اتخاذ القرارات الهامة.
فاكس: 4032285