الدخول إلى أحد مسالخ الذبح في العاصمة أشبه بمراجعة إحدى الإدارات الحكومية، لابد من (قطع) كروت للتقطيع وتذاكر لشوي الرأس والمقادم، وتذاكر للكراتين وأخرى للبلاستيك وغيرها وتضطر للتنقل مع ذبيحتك المعلّقة من قسم لآخر وتراقبها من خلف زجاج مثقوب كسجين يتحدث لزائر، ولربما هذا هو سر عزوف الشباب عند شراء اللحوم بالطريقة المسلخية والتوجه إلى الملاحم والأسواق التجارية التي تقدم كل شيء بطريقة ميّسرة ومغرية.
قبل أيام كنت في أحد هذه المسالخ ولفت نظري لوحة معلقة تمنع المواطنين من استخدام أكياس البلاستيك السوداء لوضع اللحوم بداخلها وعللت أمانة الرياض هذا المنع بأن هذه الأكياس مخصصة للنفايات وهي ضارة إذا ما وُضعت اللحوم بداخلها، وتذكرت عشرات المسالخ في بلادنا والتي تستخدم الأكياس البلاستيكية في وضع اللحوم دون أن يلتفت أحد لذلك!
ووقع في يدي - في إطار هذه الفكرة - تقرير للأمانة العامة للاتحاد العربي للمستهلك (والتي تتخذ من عمان مقرا لها) تحذر فيه الأمانة من استخدام الأكياس البلاستيكية في حفظ الأطعمة والمواد الغذائية لما تسببه من إصابة بأمراض قاتلة، منها السرطان، لوجود مواد كيميائية ضارة كالنيكل والكادميوم، وطالبت بوضع اللحوم والخضروات والأطعمة بحقائب قماشية أو بواسطة سلال أو خيش.
والحديث عن السرطان - أعاذنا الله وإياكم منه - يقودنا للفت الأنظار لحديث مشرفة الأدوية والعقاقير في مستشفى المملكة عالية الرويلي (لمجلة العلوم الاجتماعية 2008) والتي أكدت فيه أن المملكة تستقبل سنويا 3100 حالة لأمراض السرطان، فعلى مدى 14 عاماً الماضية بلغ عدد المصابين نحو 20 ألف شخص بأمراض السرطان المختلفة والتي ازدادت - على حد قولها - بعد حرب الخليج الثانية بشكل ملحوظ، وتشكل الرياض النسبة الأعلى بـ2000 حالة سنوياً، فيما تستقبل الشرقية على سبيل المثال 500 حالة. ولنا أن نتساءل: ماذا أعددنا لمواجهة هذا المرض الخطير؟ ولماذا لا نلتفت لمثل هذه الدراسات ونتخذ حيالها الإجراءات المناسبة؟
وفي هذا السياق ثمة دراسات كثيرة منها ما قامت بها جامعة الملك سعود ووزارة الصحة من أن استهلاك اللحوم المدخنة مثل المظبي والمندي والسمك ينتج مادة PAH، وهي المسؤولة عن أنواع السرطانات بنسبة 100%. ويُذكر أن دراسات أمريكية ويابانية توصلت إلى نتائج مشابهة في السمك المشوي (المدخن).
ولا ندري هل هذه الدراسات هي جواب نهائي أم أن ثمة ما ينقضها، كل الذي نعرفه أن 43 مطعما في العاصمة (وفقا للهيئة العليا لتطوير الرياض) تقدم الأكلات الشعبية من بين 270 مطعما شهيرا.
وحذرت الدراسة السابقة من المظبي على وجه التحديد وهو الأكلة الأكثر انتشاراً، وكان الله في العون فارتفاع الحرارة والاحتباس الحراري والتلوث يحاصرنا ويضيّق الخناق على المدن الصناعية في بلادنا ومطاعم المندي والمظبي تسابق الزمن لمحاصرة المستهلك السعودي، والدراسات لا تبشر بخير ولا ندري من نصدق، فالأوضاع مستمرة ويبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لأقرب مستشفى.
Mk4004@hotmail.com