في بلد من البلدان الغربية واثنان من أصحاب البلايين فيه يتبرع كل واحد منهما بمبلغ نصف مليون من الدولارات لمكافحة التدخين في بلدين آسيويين كبيرين.وهذا التصرف لم يرض صناع السجاير المعروفين، ونحن، بقيادة من علمائنا الأفاضل، الذين تكلموا ونصحوا في كل مناسبة وعلى كل منبر ومنذ مئات السنين تجنب جميع الخبائث، ومن ضمنها تدخين التبغ بكافة أشكاله.
والدولة سنت أنظمة لمنعه، وربما أنشئت جمعيات لمحاربته، ولكننا نصف مع الدول المتصدرة في استهلاكه، فما القضية إذن؟ في الوعي من قبل الناس، في عدم الحزم وتطبيق التشريعات من قبل المسئولين؟ كنت في أحد الأسواق التي فتحت من قريب في الرياض، ورأيت العمال يجلسون في مطعم هذا السوق ويدخنون، وبالمصادفة رأيت أحد المشرفين، من الغربيين يعطي توجيهات لبعض العاملين فيه، وتطفلت وذكرت له أن الدولة لديها نظام يمنع التدخين في الأماكن العامة، ورد علي بأنه لا علم له بذلك ولم يلفت انتباهه إليه من جهة رسمية، وسألته: ما الحال في بلدك؟ فقال: الوضع يختلف، فالأماكن العامة يحظر التدخين فيها.
أما نحن، فالكل على راحته، السائق، الموظف، العامل، الرئيس والمرؤوس.
في أسواقنا في دوائرنا في دور العلم، في كل مكان، وبالقرب من المساجد.
التدخين في بلدان الغرب لا يسمح به إلا عندما توجد علامة بذلك، والعكس لدينا، لماذا؟ هل لأن علماءنا - ولهم الفضل بعد المولى عز وجل- ممن لفتوا الانتباه لذلك، بناء على أدلة من الكتاب والسنة، ولم يلتفت إليهم أحد، بل كان يقال لهم إنهم متشددون أو متزمتون.
ثم جاء الغرب بعد مئات السنين ليقول لنا أن التدخين يمكن أن يكون مضرا بصحتك، ثم قال التدخين مضر بصحتك ونحذرك منه، وفرض على الشركات الصانعة كتابة العبارات التحذيرية الواضحة، ثم سن الأنظمة والتشريعات بمنعه في الأماكن العامة.
إذن نحن الرواد في التحذير من التدخين، ومن كل ضار بالروح والبدن، ونحن المتأخرون في إدراك أضراره، واتخاذ إجراءات بشأنه، نعم سنت نظم لدينا وتشريعات، ولكنها لا تنفذ، فلم لا نعيد النظر في التشريعات السابقة ونبدأ بسن أخرى حديثة، ثم نضع برامج لتطبيقها، برامج قريبة في المدى وأخرى بعيدة فيه.
نحتاج إلى برامج لمكافحة التدخين تخدم التشريعات التي سنت لمنعه، ونعلم ألا تشريعات دون برامج ولا برامج دون منهجية علمية.
والبرامج تستهدف الفرد والأسرة والمجتمع، من ناحية، وتستهدف الصانع والمستورد والموزع والبائع.
تم التركيز في الماضي على شركات الدعاية والإعلان، ومنعت من الدعاية والترويج للتدخين، ويعتبر ذلك نجاحا عظيما، إلا أن حلقات أخرى مهمة مفقودة لم يتخذ شيء بشأنها: المستهلك، والمورد، والصانع، والبائع.
والبرامج التي لمحت لها، قد تشمل جمع هؤلاء ليلتقوا وتطرح عليهم القضية ثم التحاور معهم وفيما بينهم حولها.
والجمعيات العلمية المتخصصة، جمعية القلب، وجمعية الرئة، وغيرها، منوط بها دور كبير تجاه توعية المدخنين، وما يسببونه من أضرار على أنفسهم وغيرهم من غير المدخنين وعلى البيئة.
يؤثر المدخن في غيره من الشبيبة الذين لا يدركون أضرار التدخين وينزعون إلى المحاكاة أو التقليد، ومن المعلوم أن التدخين يبدأ تدريجيا ومن ثم يصعب الإقلاع عنه، كما أنه قد يقود إلى أنواع أخرى من التدخين، غير السجائر، وقد يقود إلى المخدرات.
وتشمل الحملات ضد التدخين طرقا ووسائل علمية، متعددة، وتستهدف شرائح من المجتمع، ربما الشباب على وجه الخصوص، وتعمل اللوحات التثقيفية والتوجيهية ضد التدخين، ويصممها فنانون، بناء على مفاهيم من متخصصين في الاجتماع وعلم النفس.
تشن حملات تلفت أنظار الناس إلى مزاولة النشاطات المفيدة، مثل ركوب الدراجات، والألعاب الرياضية المتعددة.
وفي عام 1988م احتفلت منظمة الصحة العالمية بالذكرى الأربعين للحملة العالمية ضد التدخين.
وفي العام الأول لمحاربة التدخين كرمت المنظمة إحدى وعشرين جمعية وتسعة وعشرين شخصا على أعمالهم لإشاعة مفهوم (نحو مجتمعات متحررة من التبغ).
وأخيرا،على الكتاب في الصحف التركيز والإسهام في الحملات التوعوية ضد التدخين، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.