د. حسن الشقطي*
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 8188 نقطة خاسراً حوالي 263 نقطة ليصل حجم خسائره خلال الشهر الأخير إلى نحو 957 نقطة .. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع رصيد الخسائر منذ بداية مايو الماضي إلى حوالي 1869 نقطة أو ما يعادل 18.6% من قيمته .. لقد فاقت خسائر هذه الموجة الهابطة الحدود المتوقعة، فلم يكن يتوقع أحد أن تصل خسائرها إلى هذا المستوى، وخاصة أن السوق عادة ما يتسم بالهدوء والرتابة في مثل هذه الفترات من الصيف .. إلا أن موجة ركود عادية تحولت فجأة إلى هبوط حاد ظهر جلياً أنه استهدف نوعاً من التصريف أخذ في طريقه الخاسر والرابح .. فحتى أسهم الإدراج الحديث لم يرحمها هذا الهبوط الذي نزل بالعديد منها إلى مستويات متدنية .. إنها موجة هبوط مايو - أغسطس التي لا يزال البحث جارياً لمعرفة أسباب حدوثها.
المؤشر يعوِّض نصف خسائره
كافة التوقعات كانت تشير إلى مستوى دعم قوي يكفي لمنع كسر الـ 8000 نقطة، ولكن يوم الأحد الماضي أغلق المؤشر عند 7884 نقطة ليثبت أنه قادر على كسر أي نقطة دعم مهما كانت قوتها .. بشكل خفض من سقف الدعوم التالية للمؤشر .. ورغم الهبوط الحاد يومي السبت والأحد، إلاّ أنّ المؤشر تمكن من الارتداد وتعويض حوالي 263 نقطة من خسائره .. ولكن حتى مع الارتداد فلا يزال مستوى السيولة دون مستوى الأمان ضد عودة الهبوط ، حيث إن سيولة الاثنين وهي الأعلى أسبوعياً لم تزد على 4.8 مليارات ريال.
أضخم تصريف
خلال الفترة منذ بداية مايو وحتى إغلاق الأربعاء، خسر المؤشر حوالي 1869 نقطة في موجة هابطة مستمرة رغم وجود ارتدادات هزيلة .. تسببت هذه الموجة في ظل وجود طلبات البيع الكثيفة في خسائر هائلة ليس لأسهم المضاربات فقط ولكن لأسهم العوائد أيضا .. لدرجة أن تراجع سعر سابك إلى 119 ريالاً وتراجع الراجحي ما دون الـ 80 ريالاً .. الأمر الذي يظهر أن هناك تصريفاً هائلاً قد نفذ خلال هذه الفترة .. إلاّ أنّ ما هو أهم .. هل هذا التصريف هو السبب في هبوط المؤشر؟ أم أن هذا التصريف قد حدث في حد ذاته توخياً للهبوط؟
مخاطر التسرع في الحكم على استثمارية الأسهم
يعتبر سوق الأسهم حالياً جذاباً جداً من حيث المؤشرات المالية سواء للمؤشر العام أو لأسهم العوائد فيه .. فمكرر ربحية 13 إلى 14 مرة يعتبر جذاباً للدخول والشراء والتجميع .. أما عن أسهم العوائد، فإن كثيراً منها وصل إلى مستويات تجعل أي محلل يضرب بيد من حديد ليحث المستثمرين على الشراء والدخول وعدم الخوف .. ولكن سوق الأسهم المحلية بالفعل كل يوم في جديد .. وكل عام له قاع وقمة جديدان ولا يوجد كائن يمكن أن يتوقعهما .. ففترة 2006 إلى 2008 دللت بقوة على أن السوق لا يخضع على المدى المتوسط أو البعيد للتنبؤات المالية أو الفنية المتعارف عليها (رغم أنه يخضع لها على المدى القصير) .. وبالتالي فإنّ جاذبية السوق وأسهمه لا تعتبر دليلاً كافية للتوصية بالدخول أو الشراء .. إن ما يفعله صغار المستثمرين من انتظار ظهور علامات الارتداد الحقيقي يعتبر، أمراً صائباً لأنّ الجميع بفطرته أصبح يدرك أن السوق لا يخضع لأوضاع الشركات أو أوضاع المؤشر العام بقدر ما يخضع لعوامل ومستجدات أخرى محلية في أغلبها.
تكهنات الأهداف الخفية للهبوط الحاد
بلا شك ومهما اختلفت التفسيرات، فإنّ هناك هبوطاً قوياً حدث .. هدفه تهبيط المؤشر إلى مستوى (أو ما دون) الـ 8000 نقطة .. هذا التهبيط يعتبر مقبولاً لأن هناك قاعاً أعلى من مستوى الـ 8000 نقطة موجود والجميع يعلمه عند 6767 نقطة، وبالتالي فإن المتداولين يعتبرون كم الهبوط حتى الآن في حكم المقبول حتى رغم خسائرهم الكبيرة .. أما الخوف فلن يكون بكسر المؤشر لمستوى 8000، ولكن الخوف بالنزول عن القاع الشهير عند 6767 نقطة .. وعلى مدى الشهرين الماضيين لم يتم سوى تقليص سقف نقاط الدعم للمؤشر، فما إن تكسر نقطة حتى يبحث المحللون عن التي تليها .. ولكن لماذا وإلى متى يمكن أن يستمر ذلك؟ هل هناك قاع جديد يستهدفه المؤشر؟ ولمن يجهز السوق بجاذبيته الجديدة التي لا يستطيع المستثمرون الحاليون الاقتراب منها؟ هل السوق مقبل على مرحلة جديدة من حياته؟ هل نحن على وشك فتح الباب للعالم أجمع للاستثمار في السوق؟ هل يرغب الصناع أن يطلع العالم على سوقهم في أحسن صوره؟ وما هو القاع الذي ينبغي أن يبدأ منه السوق استثماريته العالمية؟ أنا أعتقد أن قرار نشر قائمة كبار الملاك لن ينتج عنها نشر قوائم ذات أهمية .. كما أن التعويل على فترة الصيف كسبب لهبوط السيولة لا يمكن تصديقه .. كما أن تفسير هبوط سابك والراجحي على أنها أمور عادية فهو أمر لا يعقل .. كما أن القول بأن نظام الهللات هو نظام مخيف فهو أمر مبالغ فيه ولا يهتم به أحد بهذا الشكل .. إذن لا يتبقى سوى صناع السوق الحقيقيون وتوجهاتهم.
التمويل بالاقتراض في سوق الأسهم
على مدى الثلاث سنوات الأخيرة، برزت ظاهرة توجه العديد من المستثمرين في سوق الأسهم إلى اللجوء إلى الاقتراض من البنوك لتمويل تداولاتهم في سوق الأسهم .. هذه التداولات سيطرت عليها المضاربات أكثر منها استثماراً في السوق .. ولا يزال هذا الوضع قائماً .. بل يزداد حرجاً عندما يلجأ هؤلاء المستثمرون إلى الاقتراض من البنوك لرفع رؤوس أموال محافظهم ، أملاً في تعويض خسائرهم السابقة خلال فترة زمنية أقصر .. إلا إن عدداً من المسوحات الميدانية في بعض الدراسات أثبتت أن هؤلاء لم يجنوا سوى المزيد من الخسائر .. بل حتى أبسط النظريات الاقتصادية لا يمكن أن تحث مستثمراً على تمويل تداولاته في سوق الأسهم المشهود له بارتفاع معدلات المخاطرة من خلال الاقتراض .. فأسواق الأسهم غير مضمون فيها رأس المال، فهل يُضمن فيها العائد؟ أما القروض ففوائدها ثابتة .. ولا يعقل أن يقبل مستثمر أن يدخل في استثمار بفوائد ثابتة ومتزايدة للحصول على عائد غير مضمون ومرتبط بجوانب عديدة ومتعددة معروفة وغير معروفة .. لذلك، فإنه من الغرابة تفسير المبررات التي يمكن أن تجعل العديد من المحللين لحث المستثمرين على تمويل تداولاتهم من خلال التمويل البنكي في ظل فترة يزداد فيها معدل المخاطر في السوق بشكل لا يعلم أحد ما هو القاع الذي يمكن أن يسّكن فيه مؤشر السوق .. وعليه، فإنه إذا كان التمويل البنكي مرفوضاً في ظل فترات اتسمت باستقرار سوق الأسهم فإنه لا يمكن أن يكون مقبولاً في ظل فترة تتسم بالاضطراب.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com