مررنا بسنوات مُلِئَتْ بفكر متطرف أثمر جيلاً تكفيريا تفجيريا استطاع أن يدخل التاريخ لتتحدث عنه الأجيال بمحاولة لزعزعة أمن واستقرار البلد الآمن والوطن المسالم، بل وطن الحب والكرم والعطاء والنماء والبذل والإحسان لا لمواطنيه وقاطنيه فحسب بل لكل مسلمي الأرض، بل تجاوز خيره وعطاؤه وبذله لكل من حمل وثيقة (إنسان) فاستحق لقب وطن الإنسانية كذلك؛ فمعوناته الإنسانية لكل صنف البشر باختلاف ألوانهم وأطيافهم ومللهم ونحلهم.
كل ذي نعمة محسود. ومن هنا انطلقت رصاصات الحساد نحو مهبط الأفئدة في محاولة بائسة وحقودة لإزالة نعم الله تعالى وفضله الذي اختص به أبناء هذا الوطن رعاة ورعية.
شباب بأعمار الزهور من أبنائنا ولدوا بيننا، وتربوا في بيوتنا، ودرسوا في مدارسنا ونبت لحمهم وشحمهم من خيراتنا حتى إذا نمت أظفارهم وطالت شعورهم قلبوا ظهر المجن فتنكبوا لكل الخيرات وأنكروا كل الحسنات وجحدوا كل سنوات العمر، وما حملته لهم من أنواع البر والجميل والخير والمحبة والرفاهية.
القول بأن هذه الفئة تربوا على أنواع العنف والتطرف خارج حدود الوطن مردود على صاحبه وإن كانوا تلقوا بعضا من التدريبات الميدانية في معسكرات أفغانستان وغيرها. لكن من أرسلهم لتلك المعسكرات من الداخل؟!! سؤال في غاية الأهمية يستحق الإجابة الصريحة بعيدا عن التورية والتلبيس وأسلوب التغفيل والتمويه.
انتهت سنوات المحنة بعد هزيمة نكراء لفئة الضلال على أيدي جنودنا البواسل، وعادت بفضل الله تعالى المياه لمجاريها وتمت إزالة الكثير من الحواجز الأمنية التي أغلقت بها بعض الطرق والبوابات في تلكم الفترة الزمنية العصيبة.
هناك من يزعم أن الحرب انتهت وأن المسألة مسألة فئة قليلة تم دحرها والقضاء عليها، ولن تتكرر بإذن الله تعالى، وهذا ما نتمناه ونرجوه جميعاً، لكن ما يجب التنبه له وملاحظته بكل كياسة وفطنة وحذاقة هو أن هناك الكثير والكثير جدا من شباب الصحوة - خلايا نائمة- وممن تربوا في نفس المحاضن وعلى نفس القيادات والأشرطة والنشرات والكتيبات، تلقوا أوامر قيادييهم بعد هزيمة الصف الأول من جند التفجير بالانسحاب بتكتيك وذكاء ودخول المنازل وإغلاق الأبواب، ومن دخل بيته فهو آمن مستفيدين من نملة سليمان: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.
ألا يجب مع تجربة الأمس - بمحاولة المساس بأمن هذا الوطن والإطاحة بنظامه وخلخلة أمنه واستقراره والعبث بخيراته ومنشآته ومقدراته- أن تكلف جهة رسمية بصنع استراتيجية يتم اعتمادها من أعلى سلطة في الوطن لمواجهة التطرف الفكري تتضمن قراءة تاريخية لأصل التطرف الفكري والوافد وفصله ومولده ونشأته ورجاله بل ورموزه وأهدافه ومقرراته ووسائله وأساليبه ومحاضنه وتفتح ملفات تعود سنوات للوراء، ومن ثم صنع قرار بتكليف جميع المؤسسات المعنية بعمل مشروع مؤسساتي ضخم جدا كل في تخصصه ومسئولياته تربويا ودعويا وإعلاميا وأمنيا للتصدي للفكر بفكر معتدل وطرح سليم، وليُعرَف بعد ذلك من يلقي مثل هذه التوجيهات والقرارات في سلة المهملات ليتم إلقاؤه هو أيضاً في سلة المهملات، كائنا من كان، إذ لا مساومة على أمننا واستقرارنا ومقدراتنا ونظام حكمنا في حال من الأحوال ويكلف بديل له ممن بروا بقسمهم في الصدق والإخلاص والولاء، وممن راقبوا الله تعالى في مسئولياتهم وأماناتهم وممن عشقوا الوطن لدرجة تقديمهم أرواحهم على أكفهم حماية للدين والعقيدة وفداء للوطن ولرعاته ومقدساته.
فهل لرجل الأمن الأول سمو وزير الداخلية -حفظه الله- والذي اكتوت وزارته بنار التطرف والمتطرفين واستُهدِفت تفجيرا من فئة الضلال المفسدين وقدمت عددا من رجالها الأوفياء البواسل شهداء واجب في هذا السبيل - رحمهم الله جميعا- واستطاعت بعون الله تعالى القيام بواجب جميع المؤسسات الأخرى لمواجهة الإرهاب والتطرف الفكري والتصدي للتيارات والجماعات التي تتبنى الإرهاب الفكري وتغذي الفكر التكفيري، وهل يمكن استحداث وزارته الموقرة وكالة تحت مسمى (وكالة وزارة الداخلية للأمن الفكري) تقوم بوضع إستراتيجية ومشروع لمواجهة التطرف الفكري يتم اعتماده من مجلس الوزراء الموقر، وتلزم جميع المؤسسات الرسمية بتنفيذه والعمل بموجبه وتكلف الوكالة بالمراقبة والمتابعة الدقيقة، وتقديم تقارير بالتنفيذ من عدمه تحت رعاية وإشراف وزارة الداخلية وعيونها الساهرة من أبناء الوطن المخلصين.
والله من وراء القصد