تمثل اللغة العربية الفصحى أحد أهم مكونات الهوية العربية وهذه الهوية تواجه اليوم حرباً إعلامية تقودها معظم الفضائيات العربية بوعي أو بلا وعي، بحيث أصبحنا نجد كل بلد عربي يقدم فضائيته للعرب الآخرين بلهجته العامية وذلك على الرغم من أن الفصحى تعتبر مكوناً أساسياً في السياسات الإعلامية الرسمية لكل الدول العربية والتي تنص بشكل لا غموض فيه على أن اللغة العربية الفصحى هي اللغة الرسمية لتلك الدول ولذلك فإنها يجب أن تحظى بالاهتمام والتقدير فمثلاً المملكة العربية السعودية على سبيل المثال جاءت المادة السابعة عشرة من السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية بالشكل الآتي:
* يوقن الإعلام السعودي، بأن اللغة العربية الفصحى هي وعاء الإسلام، ومستودع ثقافته، وموئل تراثه، ولهذا فهو يحرص أشد الحرص على ما يلي:
1- توجيه الكتّاب ومقدمي البرامج إلى الالتزام بقواعد الفصحى نحواً وصرفاً وسلامة في التعبير، وصحة في استعمال الألفاظ.
2- توجيه المذيعين ومقدمي البرامج ومديري الندوات وغيرهم، إلى وجوب استعمال الفصحى والاحتراز من الوقوع في أي خطأ من أخطاء النطق.. الخ.
3- الحرص على تنقية المادة الإعلامية التي تقدم من خلال وسائل الإعلام جميعها، من كل ما ينال من اللغة العربية الفصحى وينفر منها ويقلل من أهميتها.
ولكن شتان ما بين ما يتم إقراره كنظام وما بين ما يمارس على أرض الواقع.. فما نشاهده من ممارسات تجاه هذه اللغة هو أشبه ما يكون بالغرائبية والعبثية يقترفها بعض العرب في حق لغتهم الأم.. اللغة العربية الفصحى.. لغة القرآن الكريم.. لغة الإيمان التي يتلو بها يومياً في صلواتهم أكثر من مليار مسلم في العالم.. اللغة التي حملت تراث وتاريخ وحضارة العرب لقرون وأخيراً اللغة العالمية السادسة في العالم اليوم من حيث الأهمية باعتراف هيئة الأمم المتحدة.
وحينما يفكر المرء في الدوافع والمبررات التي تدفع هذه الفضائيات إلى اعتماد العاميات لغة رئيسة على حساب الفصحى سيجد من أصحاب هذه المحطات من يبرر هذا التوجه بأنه إنما يعود إلى أنهم - أي أصحاب هذه المحطات - إنما يلجؤون إلى استخدام العامية بديلاً للفصحى وذلك بسبب انتشار الأمية بين المواطنين العرب وستجد من هؤلاء من يقول لك إن اللغة الفصحى لغة صعبة ولا يستطيع فهمها إلا القليل من المثقفين وستجد آخرين يقولون لك إن الجمهور العربي يفضل مخاطبته بالعاميات أفضل من الفصحى.
التبريرات لا حدود لها.
وبطبيعة الحال يمكن تفنيد كل هذه الحجج الواهية التي يحاول الفضائيون العرب إقناعنا بوجهاتها وصحة الأخذ بها فنقول وباختصار شديد إن هناك بعض التجارب العربية الرائدة والناجحة تكذب كل هذه الادعاءات فالأعمال التي قدمتها مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية من برامج مثل (افتح يا سمسم) وبرنامج (سلامتك).
وكذلك الأعمال الدرامية التي كان يقدمها التلفزيون اللبناني والتلفزيون السوري وأيضا تلفزيون العراق كلها تشهد بجمال وعذوبة اللغة العربية الفصحى.
حينما حل الروائي التركي أروهان باموق الفائز بجائزة نوبل في الآداب لعام 2006م ضيفاً محاضراً في معرض القاهرة للكتاب عبّر عن استهجانه البالغ لكون إدارة المعرض تقاعست عن توفير مترجم يجيد التركية واضطرته للتحدث بالإنجليزية ما دعاه للتعليق قائلاً: (يؤسفني أن نضطر للحديث بلغة ثالثة وسيطة بينما ننتمي إلى ثقافة واحدة). وحتى لا يفيق العرب ذات يوم ويجدون أنفسهم فجأة يحادثون غرباء من بني جلدتهم لا يفهمونهم ولا يفهمون ما يقولون.
وحتى لا يصل الحال بنا كعرب إلى الاضطرار إلى الاستعانة بلغة أجنبية وسيطة لكي نفهم بعضنا كما حدث مع الروائي التركي في القاهرة.. لكي لا نصل إلى هذه المرحلة فلابد أن يعمل العرب اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الدفاع عن لغتهم الأم اللغة الفصحى.. اللغة التي تجمعهم وتمثل الرابط القوي لوحدتهم.
مستشار إعلامي